سنة 1926م/1343هـ
نفي إلى "بُورْدُورْ"
«كان المسؤولون في هذه المدينة يراقبون المنفيين مراقبة شديدة، وكان على المنفيين إثبات وجودهم بحضورهم مساء كل يوم لدى الشرطة إلا أنني وطلابي المخلصين استُثْنِينَا من هذا الأمر ما دمت قائماً بخدمة القرآن، فلم أذهب لإثبات الحضور ولم أعرف أحداً من المسؤولين هناك. حتى إن الوالي شكا من عملنا هذا لدى "فوزي باشا" ([1]) عند قدومه إلى المدينة، فأوصاه: "احترموه! لا تتعرضوا له!". إن الذي أنطقه بهذا الكلام هو كرامة العمل القرآني ليس إلاّ». ([2])
«وقبل تسع سنوات عندما أصرّ عليّ قسم من رؤساء العشائر المنفيين معي إلى "بوردور" على قبول زكاتهم كي يحولوا بيني وبين وقوعي في الذل والحاجة لقلة ما كان عندي من النقود، فقلت لأولئك الرؤساء الأثرياء: برغم أن نقودي قليلة جداً إلاّ أنني أملك الاقتصاد، وقد تعودت على القناعة، فأنا أغنى منكم بكثير. فرفضتُ تكليفهم المتكرر الملح.. ومن الجدير بالملاحظة أن قسماً من أولئك الذين عرضوا عليّ زكاتهم قد غلبهم الدَّين بعد سنتين، لعدم التزامهم بالاقتصاد، إلاّ أن تلك النقود الضئيلة قد كفتني -وللّٰه الحمد- ببركة الاقتصاد إلى ما بعد سبع سنوات، فلم يُرق مني ماء الوجه، ولم يدفعني لعرض حاجتي إلى الناس، ولم يفسد عليّ ما اتخذته دستوراً لحياتي وهو "الاستغناء عن الناس"». ([3])
[ويظل في هذه المدينة سبعة أشهر، ويؤلف في هذه الفترة رسالة "المدخل إلى النور" يذكر في مقدمتها:]
إن هذه الرسالة مناظرة بين سعيد القديم وسعيد الجديد، تضم بين دفتيها ثلاثة عشر درساً من الحقائق الإيمانية التي هي بمرتبة الشهود المسكتة للنفس الأمارة، فهي أقرب إلى علم اليقين، نبعت مباشرة من القرآن المعجز البيان. هذا وإن المخاطب في جميع تلك الدروس سعيد الجديد...
[1]() المقصود المارشال فوزي جاقماق الذي كان رئيس أركان الجيش آنذاك.
[2]() اللمعات، اللمعة العاشرة.
[3]() اللمعات، اللمعة التاسعة عشرة، النكتة الرابعة.
