السابقون في قافلة النور (1)

 

«إخوتي الأعزاء الأوفياء الميامين ويا رفقائي الأقوياء المخلصين في خدمة القرآن والإيمان!

حمداً للّٰه بما لا يتناهى من الحمد والشكر، إذ حقق بكم أملي في رسالة "الشيوخ" وادعائي في رسالة "الدفاعات".

نعم، للّٰه الحمد والمنة بعدد الذرات من الأزل إلى الأبد، بما أنعم بكم على رسائل النور بثلاثين من أمثال عبدالرحمن، بل مائة وثلاثين، بل ألفٍ ومائة وثلاثين من أمثاله، كل منهم يقابل ألفاً.

وحيث إنني أرى إخوتي الذين يلازمونني في الخدمة دائماً ولا يغادرون بالي أبداً، يسعون للعمل لرسائل النور ويتبنّونها بجدية تامة ويحافظون عليها ويتوارثونها مثلكم ناشدين الحقيقة، مقدّرين كل شيء حق قدره.. أراهم في موضعي وهم أكثر إخلاصاً منى وأصلب عوداً وأنشط في خدمة القرآن والإيمان.. لذا أنتظر أجلي وقبري وموتي بفرح تام وسرور خالص واطمئنان قلبي كامل.

إنني يا إخوتي أراكم عدة مرات في اليوم، في رسائلكم وفي خدماتكم الجليلة التي لا تغادر ذهني، فأشبع شوقي وأطمئنه بهذا الأمر. وأنتم كذلك يمكنكم أن تحاوروا وتجالسوا أخاكم هذا الضعيف في الرسائل، حيث الزمان والمكان لا يحولان دون محاورات أهل الحقيقة ومحادثاتهم، حتى لو كان أحدهم في الشرق والآخر في الغرب وآخر في الدنيا وآخر في البرزخ؛ لأن الرابطة القرآنية والإيمانية -التي هي بمثابة راديو معنوي- تجعلهم يتحاورون فيما بينهم.([2])

إن اللّٰه سبحانه وتعالى قد أنعم عليّ بإخوة أقوياء جادّين، مخلصين، غيورين، مضحين، لهم أقلام كالسيوف الألماسية، ودفعهم ليعاونوا شخصاً مثلي لا يجيد الكتابة، نصف أمي، في ديار الغربة، مهجور، ممنوع عن الاختلاط بالناس. وحمّل سبحانه كواهلهم القوية ما أثقل ظهري الضعيف العاجز من ثقل الخدمة القرآنية، فخفف بفضله وكرمه سبحانه حملي الثقيل.

فتلك الجماعة المباركة.. يتشابهون في الشوق إلى العمل والسعي فيه والغيرة على الخدمة والجدية فيها، إذ إن نشرهم الأسرار القرآنية والأنوار الإيمانية إلى الأقطار وإبلاغها جميع الجهات، وقيامهم بالعمل دون فتور، وبشوق دائم وهمة عالية، في هذا الزمان العصيب (حيث الحروف قد تبدلت ولا توجد مطبعة، والناس بحاجة إلى الأنوار الإيمانية) فضلاً عن العوائق الكثيرة التي تعرقل العمل وتولد الفتور، وتهوّن الشوق.. أقول إن خدمتهم هذه كرامة قرآنية واضحة وعناية إلهية ظاهرة ليس إلاّ.

نعم، فكما أن للولاية كرامة، فإن للنية الخالصة كرامة أيضاً، وللإخلاص كرامة أيضاً، ولاسيما الترابط الوثيق والتساند المتين بين الإخوان ضمن دائرة أخوة خالصة للّٰه، تكون له كرامات كثيرة، حتى إن الشخص المعنوي لمثل هذه الجماعة يمكن أن يكون في حكم ولي كامل يحظى بالعنايات الإلهية».([3])

 

[1]() نقدم هنا بعض الرسائل المتبادلة بين الرعيل الأول والأستاذ النورسي، وملحق بارلا حافل بمثل هذه الرسائل فمن شاء فليراجعه.

[2]() الملاحق، ملحق قسطموني.

[3]() المكتوبات، المكتوب الثامن والعشرون، المسألة السابعة.

Ekranı Genişlet