الفصل الخامس
في سجن أسكي شهر
(المدرسة اليوسفية الأولى)
25/4/1935 - 27/3/1936
إن أعداء الإسلام الذين يتربصون الدوائر بكل حركة تمدّ الإيمان وتخدم القرآن ما إن شعروا أن رسائل النور تنتشر والإيمان يترسخ في قلوب الناس، حتى دبّروا مكيدة لإلقاء القبض على الأستاذ النورسي وطلاب النور واتهامهم بتشكيل جمعية سرية، والقيام بأعمال ضد النظام الحاكم ومما يهدم أسسه.. وأمثالها من التهم. وعلى إثر هذا أُخذ الأستاذ النورسي وطلابه في 25/4/1935 وسيقوا مكبلي الأيدي إلى "أسكي شهر" لمحاكمتهم.. كان رئيس المفرزة السيد "روحي" مشفقاً على الأستاذ فأمر بفك أغلاله. حتى إنه أصبح صَديقاً له ولطلاب النور بعد ما أدرك الحقيقة.
وقد أتى وزير الداخلية بنفسه ورئيس الجندرمة في 27/4/1935 مع ثلة من مفارز عسكرية مسلحة إلى "إسبارطة"،([1]) وأقاموا على طريق "إسبارطة-أفيون" قوة عسكرية من الجنود الفرسان ووضعوا ولاية "إسبارطة" وما حولها تحت السيطرة العسكرية.
ومن جهة أخرى بدأ رئيس الحكومة آنذاك "عصمت إينونو" بزيارة تفقدية في مناطق شرقي الأناضول خشية قيام ثورة فيها لاعتقال الأستاذ النورسي. حيث أشاع أعداء الدين المتسترون أن بديع الزمان وطلابه سيُعدَمون، بغية إلقاء الرعب والخوف في قلوب الناس. علماً أن بديع الزمان لم يتحرك حركة منافية للنظام والأمن طوال حياته بل كان رائده دوماً الحركة الإيجابية البناءة قائلاً: لا يجوز الإضرار بمئات من الناس بجريرة أفراد قلائل. ولهذا لم تحدث حادثة ولو واحدة رغم جميع المظالم التي نزلت به وبطلابه. بل كان يحث دوماً طلابه على الصبر والثبات والاستمرار في العمل للإيمان وعدم القيام بأي عمل تخريبي، إذ إن مثل تلك الأعمال التخريبية لا يفيد منها سوى اللادينيين.
وهكذا اقتيد الأستاذ النورسي ومائة وعشرون من طلابه إلى سجن أسكي شهر ووضعوا في السجن الانفرادي والتجريد المطلق، وبدأت عمليات التعذيب الرهيب تنهال عليهم. لكن الأستاذ رغم الظروف الشاقة استمر في الإرشاد والتوجيه، فتحوّل كثير من المسجونين إلى ذوي صلاح وتقوى.
وعلى الرغم من جمع رسائل النور من بيوت الطلاب وإجراء التحريات الدقيقة فإن المحكمة لم تعثر على مادة للاتهام، ولكن مع هذا حكمت بمقتضى قناعة الحاكم الشخصية([2]) على الأستاذ النورسي بالسجن أحد عشر شهراً، وعلى خمسة عشر من طلاب النور بستة شهور وأُطلق سراح البقية وهم مائة وخمسة طلاب. علماً أن الاتهامات لو كانت حقيقية لكانت عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة في الأقل. ولأجل هذا فقد اعترض الأستاذ النورسي على قرار المحكمة الجائر الاعتباطي موضحاً أن هذه العقوبة إنما تنـزل على سارق بغل أو مختطف بنت، فطالب المحكمة بالبراءة أو الإعدام أو مائة سنة من السجن.([3])
[1]() الشعاعات، الشعاع الرابع عشر.
[2]() قرار محكمة الجزاء الكبرى لأسكي شهر رقم 121 في 19/8/1939 وتصديق محكمة التمييز الأولى رقم2111 في 12/10/1935 (ب 2 /832).
[3]() T. Hayat. Eskişehir Hayatı.
