تأليف رسالة حول حكمة التكرار في القرآن

 

«طرق سمعي قبل اثنتي عشرة سنة،([2]) أن زنديقاً عنيداً، قد فضح سوء طويته وخبث قصده بإقدامه على ترجمة القرآن الكريم، فحاك خطة رهيبة، للتهوين من شأنه بمحاولة ترجمته. وصرح قائلاً: ليترجم القرآن لتظهرَ قيمته؟ أي ليرى الناس تكراراته غير الضرورية! ولتتلى ترجمته بدلاً منه! إلى آخره من الأفكار السامة. إلاّ أن رسائل النور بفضل اللّٰه، قد شلت تلك الفكرة وجعلتها عقيمةً بائرة وذلك بحججها الدامغة وبانتشارها السريع في كل مكان، فأثبتت إثباتاً قاطعاً أنه لا يمكن قطعا ترجمة القرآن الكريم ترجمة حقيقية.. وأن أية لغة غير اللغة العربية الفصحى عاجزة عن الحفاظ على مزايا القرآن الكريم ونكته البلاغية اللطيفة.. وأن الترجمات العادية الجزئية التي يقوم بها البشر لن تحل بأي حال محل التعابير الجامعة المعجزة للكلمات القرآنية التي في كل حرف من حروفها حسنات تتصاعد من العشرة إلى الألف، لذا لا يمكن مطلقا تلاوةُ الترجمة بدلاً منه.

بيد أن المنافقين الذين تتلمذوا على يد ذلك الزنديق، سعوا بمحاولات هوجاء في سبيل الشيطان ليطفئوا نور القرآن الكريم بأفواههم. ولكن لما كنت لا ألتقي أحداً، فلا علم لي بحقيقة ما يدور من أوضاع، إلاّ أن أغلب ظني أن ما أوردته آنفا هو السبب الذي دعا إلى إملاء هذه "المسألة العاشرة" على الرغم مما يحيط بي من ضيق».([3])

ورغم كل الصعاب كان محبو الأستاذ يتقاطرون إلى زيارته ولا يوفّق منهم للزيارة إلاّ القليل، لشدة الترصد. وكان يتجاذب معهم الحديث حسب مستواهم الفكري والثقافي حيث كان الزائرون من طبقات الشعب كافة.. فكان حديثه مجملاً حول أهمية الإيمان في الوقت الحاضر وأن القصد الأساس لرسائل النور تقوية الإيمان وصد الإلحاد الذي يهدد الأمة والوطن، وأن أهم قضية في الوقت الحاضر إنقاذ الإيمان وتقويته بالاعتصام بالقرآن الكريم. ورسائل النور تحصر نظرها في هذا المقصد. ولهذا يتكالب عليها الأعداء من الملحدين ويختلقون الافتراءات الظالمة والإشاعات المغرضة، فلا محيد عن العمل الإيجابي البنّاء وحده، إذ في يدنا نور وليس صولجان السياسة. وحتى لو كانت لنا مائة من الأيدي لكانت تكفي للنور. وإن أساس مسلكنا الإخلاص وابتغاء مرضاة اللّٰه وحده، وهذا هو مصدر قوة النور. فالعناية الإلهية تحمي خدمتنا مادمنا مخلصين نعمل عملاً إيجابياً بناءً».([4])

 

[1]() تأليفاته الأخرى في أميرداغ: في هذه الفترة التي استغرقت ثلاث سنوات ونصف السنة هي:

    1- المسألة الحادية عشرة لرسالة الثمرة حول ثمرات الإيمان بالملائكة سنة 1945.

    2- الرجاء الرابع عشر من اللمعة السادسة والعشرين، تأملاته في الآية الكريمة ﴿حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

    3- الرجاء السادس عشر من اللمعة السادسة والعشرين حول نفيه إلى قسطموني وما أعقبته من أحداث.

    4- فضلاً عما يقرب من (250) رسالة توجيهية إلى الطلاب.

[2]() المقصود سنة 1932م حيث ترجم القرآن الكريم إلى التركية وحاولت السلطات فرض قراءة الترجمة في الصلوات.

 

[3]() الشعاعات، الشعاع الحادي عشر، خاتمة المسألة العاشرة.

[4]() T. Hayat, Emirdağ Hayatı.

 

Ekranı Genişlet