ذيل تتمة الاعتراض

 

أولاً: أُبيّن للمحكمة أن هذا الادعاء الجديد أيضاً مبني على ادعاءات قديمة لمحكمة "أسكي شهر" و"دنيزلي" ومبني على التقرير المقدم من قبل خبراء سطحيين بعد تحقيقاتهم العابرة. وقد ادعيت في محكمتكم: إن لم أثبت مائة خطأ في هذا الادعاء فأنا راضٍ بإنزال عقاب مائة سنة من السجن بي وها أنا الآن اُثبت دعواي. إن شئتم أقدم لكم الجدول المتضمن للأخطاء التي تزيد على المائة.

ثانياً: عندما أُرسلتْ أوراقنا وكتبنا من محكمة "دنيزلي" إلى أنقرة كتبت لإخوتي -في غضون ترقبي وقلقي على صدور قرار ضدنا- الفقرةَ التي في ختام بعض دفاعاتي، وهي أنه إذا استطاع موظفو العدالة الذين يدققون رسائل النور بهدف النقد والتقييم، أن يقووا إيمانهم وينقذوه، ثم حكموا عليّ بالإعدام، اشهدوا بأنني قد تنازلت لهم عن جميع حقوقي. لأننا خدام الإيمان ليس إلاّ. وإن المهمة الأساس لرسائل النور هي تقوية الإيمان وإنقاذه. لذا نجد أنفسنا ملزمين بالخدمات الإيمانية، دونما تمييز بين عدوٍ وصديق، ومن غير تحيّز لأية جهة كانت.

وهكذا.. أيها السادة أعضاء المحكمة، استناداً إلى هذه الحقيقة، وفي ضوئها، قد استطاعت رسائل النور بحقائقها الناصعة وبراهينها الساطعة أن تستميل نحوها قلوب الكثيرين من أعضاء المحكمة وحملتهم على التعاطف معها. فلا يهمني بعدُ ما تريدون فعله، وما تقررون في حقي.. افعلوا ما شئتم فإني مسامحكم.. ولن أثور أو أغضب عليكم إطلاقاً. وهذا هو السبب في أنني تحملت أشد أنواع الأذى والجور والاستبداد والتعرض والإهانات المتكررة التي أثارت أعصابي والتي لم أُقابَل قبلُ بمثلها طوال حياتي كلها.. بل إنني لم ادعُ على أحد بالشر أو السوء.

وإن مجموعات رسائل النور التي بين أيديكم لهي دفاعي غير القابل للجرح أو الطعن، وهي خير دليل على زيف جميع الادعاءات المثارة ضدنا.

إنه لمثير للعجب والحيرة أنه في الوقت الذي دقق علماء أجلاء من مصر والشام وحلب والمدينة المنورة ومكة المكرمة وعلماء من رئاسة الشؤون الدينية، مجموعاتِ رسائل النور ولم ينتقدوا منها شيئاً، بل استحسنوها وقدروها حق قدرها. وفي الوقت الذي حملت الرسائل مائة ألف من أهل الحقيقة على التصديق بها رغم الظروف الصعبة المحيطة، ورغم ما أعانيه من الاغتراب والشيخوخة وقلة النصير، وفضلاً عن الهجمات الشرسة المتلاحقة.. أقول: في الوقت الذي تقدّر الرسائل هكذا، إذا بالذكي([1]) الذي استجمع علينا ادعاءات واهية يتفوه بخطأ فاحش ينم عن سطحيته وسطحية نظرته للأمور، إذ قال: إن القرآن الكريم عبارة عن مائة وأربعين سورة!.. هذا الشخص نفسه يقيّم رسائل النور فيقول: "إن رسائل النور مع أنها تحاول تفسير القرآن الكريم وتأويل الأحاديث الشريفة إلاّ أنها لا تحمل ماهية علمية وقيمة راقية من حيث تقديمها المعرفة إلى قرائها". ألا يفهم من تنقيده هذا أنه بعيد كل البعد عن القانون والحقيقة والحق والعدالة!.

وأشكو إليكم أيضاً:

لقد أسمعتمونا الادعاء العام كاملاً طوال ساعتين والذي أدمى قلوبنا لما فيه من أخطاء تربو على المائة سجّلناها في أربعين صفحة. إلاّ أنكم لم تفسحوا لي مجال دقيقتين من الزمان كي أجيبه في صفحة ونصف الصفحة رغم إصراري على ذلك، لذا أطالبكم باسم العدالة بقراءة اعتراضي بتمامه.

ثالثاً: إن لكل حكومة معارضين، ولا يسمح القانون بالتعرض لهم ماداموا لم يخلّوا بالنظام. أفيمكن لي ولأمثالي ممن أعرضنا عن الدنيا ونسعى للقبر أن ندع السعي للحياة الباقية على وفق المسلك الذي سلكه أجدادنا الميامين طوال ألف وثلاثمائة وخمسين سنة وبهدي تربية قرآننا العظيم، وفي ضوء دساتير يقدّسها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المؤمنين في كل عصر، ثم ننشغل بحياة دنيوية قصيرة فانية وننقاد لقوانين ودساتير غير أخلاقية للمدنية السفيهة، بل قوانين جائرة وحشية كما هي في البلشفية، وننحاز إليها تحت ضغوط أعدائنا ودسائسهم؟ فليس هناك قانون في العالم كله ولا إنسان يملك ذرة من الإنصاف يُكره الآخرين على قبول هذا بذاك.

إلاّ أننا نقول لأولئك المعارضين: إننا لم نتعرض لكم فلا تتعرضوا لنا!

وهكذا بناء على هذه الحقيقة، إننا لسنا مع زعيم أصدر أوامر حسب هواه باسم القانون، لتحويل جـامع أياصوفيا إلى دار للأصنام وجعل مقر المشيخة العامة ثانوية للبنات.. لسنا معه فكراً ولا موضوعاً ولا من حيث الدافع ولا من حيث النتيجة، ولا نجد أنفسنا ملزمين بقبول أمر كهذا.

والواقع أنه بالرغم من حياة الأسر والتشرد التي عشتها خلال هذه السنوات العشرين، والتي ذقت فيها ألواناً من العذاب، وتعرضت لأقسى وأشنع أساليب الظلم والاستبداد، ومع أن هناك مئات الألوف من إخواني النوريين الأوفياء، فإننا لم نتدخل في الأمور السياسية ولم تُسجّل حادثة واحدة تدل على تعرضنا للأمن أو إخلالنا بالنظام.

إن ما أتعرض له في أخريات أيامي هذه، من الإهانات المتكررة والمعاملات الظالمة التي أُقابل بها، وحياة الاغتراب والتشرد التي أعيشها والتي لم أر مثلها من قبل جعلني أملّ الحياة.. إنني سئمت الحرية المقيدة، تلك الحرية التي يحدها التحكم ويعقلها الجور والاستبداد. لقد رفعت إليكم طلباً لا لإطلاق سراحي وتخفيف عقابي وإبراء ساحتي، كما هو المألوف، بل لإنزال أشد العقاب بي وأقساه، نعم أشده وأقساه لا أخفه وأهونه، ذلك لأنه لا سبيل للتخلص من مثل هذه المعاملة العجيبة المنكرة سوى أحد أمرين: السجن أو القبر. إن الطريق إلى القبر مسدود أمامي لا أستطيع الحصول عليه لأن الانتحار محظور شرعاً، ثم إن الأجل سر خفي، لا يدرك الإنسان كنهه بَلْهَ أن تطاله يداه، لذا فقد رضيت بالسجن الذي أنا رهين اعتقاله وتجريده منذ حوالي ستة أشهر. إلاّ أنني لم أقدم هذا الطلب في الوقت الحاضر إلاّ نزولاً عند رغبة إخواني الأبرياء.

رابعاً: إنني خلال هذه السنوات الثلاثين من حياتي، والتي أطلقت فيها على نفسي اسم "سعيد الجديد" أدّعي فأقول: بأنني قد بذلت ما وسعني الجهد لكبح جماح نفسي الأمارة بالسوء، وصونها من العجب والتطلع إلى الشهرة والتفاخر، بل قد جرحت أكثر من مائة مرة مشاعرَ طلاب النور الذين يحملون حسن ظن مفرط بشخصي، يشهد على هذا ما كتبته في رسائل النور وحقائقها المتعلقة بشخصي، والمنصفون ممن يختلفون إليَّ بجد، والأصدقاء جميعاً. فأنا لست المالك لبضاعة النور، بل لست إلاّ دلالاً ضعيفاً بسيطاً في حانوت مجوهرات القرآن.

كما أنني بتصديق من إخواني المقربين، وبما شاهدوا من أماراتها العديدة، عازم على ألاّ أضحي بالمناصب الدنيوية وأمجادها الزائفة وحدها، بل لو أُسند إليّ -فرضاً- مقامات معنوية عظمى، فإنني أضحى بها أيضاً لخدمتي للإيمان والقرآن خشية اختلاط حظوظ نفسي بإخلاصي في الخدمة. وقد قمت بهذا فعلاً.

ومع ذلك فقد جعلت محكمتُكم الموقرة، مشاعر الاحترام التي أبداها نحوي بعض إخواني -نظير انتفاعهم برسائل النور كشكر معنوي من قبيل احترام زائد عن احترام المرء لأبيه- مع رفضي وعدم قبولي لها، جعلتها مدار استجوابنا وكأنها مسألة سياسية وحملتم فريقاً منهم على التنكر لذلك الاحترام، فيا عجباً أي ذنب وأي جريرة في امتداح جاء على لسان الغير ولم يرض به هذا العاجز ولا يرى نفسه لائقاً بذلك؟

خامساً: إني أعلن لكم بصراحة تامة أن محاولة إلصاق تهمة الانتماء إلى التكتلات والتجمعات والتدخل في الشؤون الداخلية، إلى طلبة النور الذين لا علاقة لهم بأيّ وجه بالتحزب والتجمع والتكتلات والتيارات السياسية المختلفة، ما هي إلاّ من وحي منظمة الزندقة المتسترة التي تعمل منذ أربعين سنة على هدم الإسلام ومحو الإيمان، خادمة بذلك لنوع من البلشفية والتي سبّبت -هذه المنظمة- في تغذية روح التطرف والفوضى في هذه البلاد، سواء بعلم أو بغير علم، واتخذت موقفاً مضاداً تجاهنا.

بيد أن ثلاث محاكم مختلفة قد اتفقت على تبرئة ساحة رسائل النور وطلبتها من تهمة الانتماء إلى التكتلات، سوى محكمة واحدة، وهي محكمة "أسكي شهر" حيث حكمت عليّ بالسجن لمدة عام واحد، ولمدة ستة أشهر على خمسة عشر من إخواني من مجموع مائة وعشرين شخصا. ولعل الذي دفع محكمة أسكي شهر إلى اتخاذ ذلك القرار يعود إلى ورود فقرة كُتبت قديماً جاءت ضمن رسالة صغيرة تتعلق بمسألة واحدة وهي "الحجاب"

وكان نص تلك الفقرة كما يأتي: "لقد طرق سمعنا أن صباغ أحذية قد تعرض لزوجة رجل ذي منصب دنيوي كبير، كانت مكشوفة المفاتن، وراودها نهاراً جهاراً في قلب العاصمة "أنقرة"! أليس هذا الفعل الشنيع صفعة قوية على وجوه أولئك الذين لا يعرفون معنى الحياء من أعداء العفة والحجاب؟"

وإذن فإن اصطناع الأسباب الواهية والاتهامات الباطلة ضد طلبة رسائل النور الآن، إن هو إلاّ بمثابة الحكم ضد تلك المحاكم الثلاث، ومحاولة لإلصاق التهمة بها ووصمها بوصمة الخيانة والعار.

سادساً: لا يمكن المبارزة مع رسائل النور. فقد اتفقت كلمة علماء الإسلام الذين اطلعوا عليها أنها تفسير قيم صادق للقرآن الكريم، أي أنها تنطوي على براهين دامغة لحقائقه الناصعة وهي معجزة معنوية من معجزات القرآن في هذا العصر، وسد منيع أمام الأخطار والمهالك التي تتربص بهذه البلاد وبهذه الأمة من الشمال.

فالواجب يقتضي من حيث الحقوق العامة أن تعمل محكمتكم الموقرة على الترغيب في هذه الرسائل بدلاً من تخويف طلابها وترغيبهم عنها، هذا ما نعلمه، بل ننتظره منكم.

ومن المعلوم أن عدم التعرض لكتب الملاحدة وبعض الساسة المتزندقين ومجلاتهم وجرائدهم -مع ضررها الفادح على الأمة والبلاد والأمن العام- تحت ستار الحرية العلمية، يدفعنا حتماً إلى القول والتساؤل: ما الجانب المحظور من التحاق شاب برئ يحتاج إلى العون والمساعدة إلى صفوف طلبة النور، كي ينقذ إيمانه وينجو من التردي في هاوية الأخلاق الذميمة؟ أفليس من الحكمة والعدل والواجب أن تحتضن الحكومة ووزارة المعارف (التربية) هذا العمل وتشجعه وتقدره حق قدره بدلاً من أن تعمل على مكافحته وعلى ملاحقتنا دون سبب؟

كلمتي الأخيرة: نسأل اللّٰه أن يوفق الحكام إلى إحقاق الحق وإقرار العدل.. آمين

حسبنا اللّٰه ونعم الوكيل نعم المولى ونعم المصير

 الحمد للّٰه رب العالمين».([2])

 

[1]() المقصود المدعي العام.

 

[2]() الشعاعات، الشعاع الرابع عشر، ذيل تتمة الاعتراض.

 

Ekranı Genişlet