رسالة الخطأ

  • Notice :Undefined index: field_risale_sayfa_no في include() (السطر 189 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Warning :array_merge(): Argument #2 is not an array في risale_navigasyon() (السطر 186 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Warning :sort() expects parameter 1 to be array, boolean given في risale_navigasyon() (السطر 188 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Warning :sort() expects parameter 1 to be array, null given في onceki_sonraki_sayfa_getir() (السطر 69 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Warning :Invalid argument supplied for foreach() في onceki_sonraki_sayfa_getir() (السطر 71 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Warning :sort() expects parameter 1 to be array, null given في onceki_sonraki_sayfa_getir() (السطر 69 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Warning :Invalid argument supplied for foreach() في onceki_sonraki_sayfa_getir() (السطر 71 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/inc/rnk.islemler.inc).
  • Notice :Undefined index: field_risale_sayfa_no في include() (السطر 205 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).
  • Notice :Undefined index: field_risale_sayfa_no في include() (السطر 216 من /home/question/domains/questionsonislam.com/public_html/sites/all/modules/CUSTOM/rnk/templates/risaleoku.tpl.php).

بعد فراق طويل 

 

الأستاذ أشرف أديب

لم ألتق الأستاذ منذ سبع وعشرين أو ثمان وعشرين سنة، حيث لم أجد فرصة من المشاغل، رغماً عن رغبتي الدائمة لزيارته ورؤيته وملء العين من محياه المبارك. لكن وجوده المعنوي لم يفارقني أبداً، لأنه يعيش في القلوب.

وحين اللقاء واحتضاني له ظهر مقدار الشوق المادي العظيم باللذة النابعة من مُحياه النوراني.

انقضت أربعون سنة على لقائي الأول بالأستاذ. في ذلك الزمان كنا نحضر يومياً في "إدارة المجلة" مع عاكف ونعيم وفريد والإزميرلي المحترمين، ونقضي معاً ساعات طيبة في أحاديث شتى. ويتحدث الأستاذ -بلهجته الخاصة- في المسائل العلمية الرفيعة، فنجد حرارة في أنفسنا من جلادة وحشمة أحاديثه. ذكاء فطري غير معتاد وموهبة إلهية. تظهر قدرة ذكائه وعظمته إزاء أشد المسائل تعقيداً. عقل دائم العمل والفكر. لا يشتغل بالنقل كثيراً، فمرشده القرآن، وهو نبع فيضه وذكائه. وهذه اللمع كلها تدفق من هذا النبع مباشرة. صاحب رأي سديد أشبه بمجتهد أو إمام، وقلبه مليء بإيمان راسخ أشبه بإيمان صحابي، وفي روحه شهامة كشهامة عمر. هو مؤمن أحيا عصر الرسالة السعيدة بين جوانحه في القرن العشرين، وجعل الإيمان والقرآن غاية له. إن غاية غايات الإسلام، أعني أساس "التوحيد" و"الإيمان باللّٰه"، هي أعظم عمدته وعمدة رسائل النور. وأظنه لو كان في خير القرون وظهور الإسلام، فلعل الرسول r كان يكلفه بمهمة تحطيم الأصنام في الكعبة. فقد كان عدواً للشرك وعبادة الأصنام أقصى درجات العداء.

عمر طويل، قرن واحد تقريباً، قضاه في الجهاد لترسيخ حقائق الإيمان والقرآن في القلوب. عمر قضاه في الفضيلة والشهامة. فهو في ميادين الحرب بطل يتقدم المجاهدين، يستل السيف، ثابت الأقدام، يحمل على الأعداء. وهو في الأسر بطل يتصدى لقائد الأعداء. وهو على منصة الإعدام ظل يسوق قائد الأعداء إلى التفكير ويقوده إلى الإنصاف.

فدائيّ لا يتردد لحظة بالتضحية بروحه من أجل شعبه وبلاده، عدو شديد للفتنة والهدم، يتحمل كل ظلم وتعذيب من أجل منافع الأمة، في سبيل الغاية، أسهل شيء عليه أن يقتات بشربة حساء وقدح ماء ولقمة خبز، ويلبس خرقة خامة بيضاء قطنية يغير ملابسه قبل أن تتسخ ويغسلها، ويعتني بالنظافة اعتناء فائقاً. لا يمسك بالنقود الورقية بيده ولا يحملها. لا يملك شيئاً قيماً في هذه الدنيا. يعيش للناس لا لنفسه.

ضعيف البنية، لكنه ذو مهابة وحشمة. عيناه تشعان نوراً مثل الشمس، ونظراته نظرات سلطـان، أغنى سلطان في عالم المعنى مع أنه أفقر الناس في الدنيا مالاً.

لم تخلف آلام نيف وثمانين سنة تجعدات في وجهه وإن أشعلت في رأسه الشيب. لون بشرته بياض مشرب بحمرة. غير ملتح. نشط كأنه في عمر الشباب. حليم وهادئ، لكنه حين يهيج، يبدو كالأسد، وينتصب على ركبتيه، ويتكلم مثل سلطان.

أكره شيء إلى نفسه السياسة. فلم يمسك في يده صحيفة منذ خمس وثلاثين سنة. مقطوع الصلة بشؤون الدنيا. لا يلتقي إنساناً بعد صلاة العشاء إلى وقت الظهر من غده منشغلاً بالعبادة. ينام قليلاً. وقد منع طلابه أيضاً عن السياسة. طلابه الذين بلغ عددهم ستمائة ألف أو مليون هم أكثر أبناء الوطن تمسكاً بالفضائل. والمئات أو الألوف من طلابه يدرسون العلوم الصرفة في كليات الجامعات، فتراهم أشد الطلاب همة وأعظمهم فضيلة. ولم يقع أن تسبب إنسان من طلاب النور الذين بلغوا مئات الألوف عدداً وانتشروا في أرجاء الوطن كافة، في حادث مخل بالأمن. إن كل طالب لرسـائل النور محافظ طبيعي لنظام وانتظام البلاد وحارس للأمن والأمان.

سألته إن كان تعباً من سفر إسطنبول، فقال: إنه لا يقلقني سوى المخاطر المحدقة بالإسلام. إذ كانت المخاطر سابقاً تأتي من الخارج وكانت مقاومتها يسيرة، أما الآن فإنها تأتي من الداخل حيث دبت الديدان في الجسد وانتشرت فيه فتعسرت المقاومة. إنني أخشى ما أخشاه ألاّ تتحمل بنية المجتمع هذا الداء الوبيل، لأنه لا يشتبـه بالعدو. إذ يظن من يقطع شريانه ويمص دمه صديقاً. ومتى عميت بصيرةُ المجتمع إلى هذا الحد فقلعة الإيمان إذن في خطر داهم. لذا لا قلق لي إلاّ هذا ولا أضطرب إلاّ من هذا. بل ليس عندي زمن أضيّعه في التفكير في التعب والمشاق التي أتعرض لها بنفسي. وليتني أتعرض لألف ضعف من شقائي ويسلم مستقبل قلعة الإيمان.

قلت: ألا يمدّكم مئات الألوف من طلابكم بأمل وسلوى للمستقبل؟

قال: بلى، لم ينقطع رجائي وأملي تماماً.. العالم يمر بأزمة خانقة وقلق معنوي عظيم. فالمرض الذي دب في جسم المجتمع الغربي وزعزع دعائمه المعنوية كأنه وباء طاعون وبيل. فما الحلول التي يجابه بها مجتمع الإسلام هذا المرض المعدي الرهيب؟ هل بوصفات الغرب النتنة المتفسخة الباطلة؟ أم بأسس الإيمان الحيوية لمجتمع قلعة الإسلام؟ إنني أرى الرؤوس الكبيرة سادرة في الغفلة. فقلعة الإيمان لا تسند بأعمدة الكفر النخرة، ولهذا أبذل كل جهدي وسعيي في الإيمان وحده.. لذا ركزت جهدي كله من أجل الإيمان فقط.

إنهم لا يفهمون رسائل النور، أو لا يريدون أن يفهموها. يظنونني شيخ مدرسة جامداً في الأمور الدنيوية المادية. لقد اشتغلت بالعلوم الصرفة والعلوم والفلسفات المعاصرة كلها، وحللت أعقد مسائـلها، بل صنفت فيها مصنفات. لكني لا أعتـرف بألعاب المنطق ولا أصيخ سمعاً لحيل الفلسفة، بل أترنم بجوهر حياة المجتمع، وبوجوده المعنوي وبوجدانه وإيمانه. فقد حصرت اشتغالي في أساس التوحيد والإيمان الذي أسّسه القرآن، ألا وإن العمود الرئيس لمجتمع الإسلام هو هذا، فإذا تزلزل يضيع المجتمع.

يقولون: لماذا تجرح فلاناً وعلاناً؟ لا أدري. لم أشعر ولم أتبين مما أرى أمامي من حريق هائل يتصاعد لهيبه إلى الأعالي يحرق أبنائي ويضرم إيماني، وإذ أنا أسعى لإخماده وإنقاذ إيماني، يحاول أحدهم إعاقتي، فتـزل قدمي مصطدمةً به. فليس لهذه الحادثة الجزئية أهمية تذكر وقيمة أمام ضراوة النار؟ يا لها من عقول صغيرة ونظرات قاصرة!

أيظنونني رجلاً مهموماً بحاله يبغي إنقاذ نفسه؟ لقد افتديت بدنياي وآخرتي في سبيل إنقاذ إيمان المجتمع. لم أذق طوال عمري البالغ نيفاً وثمانين سنة شيئاً من لذائذ الدنيا. قضيت حياتي في ميادين الحرب، وزنزانات الأسر، أو سجون الوطن ومحاكم البلاد. لم يبق صنف من الآلام والمصاعب لم أتجرعه. عوملت معاملة المجرمين في المحاكم العسكرية العرفية، ونفيت وغربت في أرجاء البلاد كالمشردين. وحرمت من مخالطة الناس شهوراً في زنزانات البلاد. وسُمّمت مراراً. وتعرضت لإهانات متـنوعة. ومرت عليّ أوقات رجحت الموت على الحياة ألف ضعف. ولولا أن ديني يمنعني من قتل نفسي، فربما كان سعيد تراباً تحت التراب.

أنا لا أطيق ذلاً ولا إهانة بفطرتي وجبلتي. العزة والشهامة الإسلامية تمنعني بشدة من هذه الأحوال. فإذا تعرضت إلى مثل هذا الحال، لا أطأطئ رأسي مهما كان الذي يواجهني، سواءٌ إن كان جبـاراً أشد الناس ظلماً أو قائداً عدواً سفاحاً للدماء، بل ألقي بظلمه ودمويته على وجهه.، ولا أبالي إن رماني في غياهب السجن أو قادني إلى منصة الإعدام. وهذا ما وقع، وما جرى علي فعلاً. ولو صبر قلب ذلك القائد الدموي ووجدانه على الظلم دقائق أخرى لكان سعيد قد شنق والتحق بزمرة الأبرياء المظلومين.

هكذا انقضت حياتي كلها في نصب ومشقة، ونكبة ومصيبة. لقد افتديت نفسي ودنياي في سبيل إيمان المجتمع وسعادته وسلامته. فهنيئاً وحلالاً طيباً. حتى في دعواتي لا أدعو اللّٰه عليهم. فبهذه الأحوال صارت رسائل النور وسيلة لإنقاذ إيمان مئات الألوف في الأقل، ربما الملايين - هكذا يقولون- فأنا أجهل عددهم، المدعي العام بأفيون ذكر أنهم خمسمائة ألف أو يزيدون. بالموت كنت أنجو وحدي، لكن ببقائي في الحياة وصبري على الصعاب والمشقات خدمت في إنقاذ الإيمان بقدر هذه الأنفس. فالحمد للّٰه ألف مرة.

لقد ضحيت حتى بآخرتي في سبيل تحقيق سلامة إيمان المجتمع، فليس في قلبي رغب في الجنة ولا رهب من جهنم، فليكن سعيد بل ألف سعيد قرباناً ليس في سبيل إيمان المجتمع التركي البالغ عشرين مليونا فقط بل في سبيل إيمان المجتمع الإسلامي البالغ مئات الملايين. ولئن ظل قرآننا دون جماعة تحمل رايته على سطح الأرض فلا أرغب حتى في الجنة إذ ستكون هي أيضاً سجناً لي، وإن رأيت إيمان أمتنا في خير وسلام فإنني أرضى أن أُحرق في لهيب جهنم إذ بينما يحترق جسدي يرفل قلبي في سعادة وسرور.

لقد فاض وجاش حضرته. كان يرمي بشواظ كالبركان ويموج بحر قلبه كالطوفان. ويصب كالشلال أعمق نقاط القلب بمياه زمزمية عظيمة. لقد أخذه حماس زائد، كأنه يخطب من منصة البرلمان، لا يريد أن يقطع عليه الكلام إنسان. أحسست بالتعب الذي أصابه، فرأيت أن أغير هذا المبحث الحماسي:

- هل انزعجتم في المحكمة؟

- هل في القوانين نص يعدّ تعليم الدين والتزامَ نسائنا وأخواتنا المحترمات بالمحافظة على عفتهن وشرفهن ضمن دائرة التربية الإسلامية جريمة؟ فليجب أساتذة الجامعة المشتـغلون بهذا العلم وبالحقوق عن مغزى ذلك، ومغزى اتخاذ كلمة "الحقيقة الواردة إلى القلب" دليلاً على تأسيس نفوذ شخصي.

أخَذَنا الزمان في لقاء الأستاذ مأخذاً، وحين استأذنت للمغادرة كان الوقت متأخراً.

 

 

[1]() عن مجلة سبيل الرشاد، المجلد 5، العدد 119، سنة 1952.

Ekranı Genişlet