أثر التواضع
كنت طالباً في كلية الآداب، بينما أنا جالس في الصف أستمع إلى الدرس إذ جاء أحدهم وقال لي: إن رجلاً في الباب يطلبك فأسرع إليه، فلما أتيته رأيت شاباً رشيقاً وجميلاً يرتدي زي القرويين، عرّف نفسه قائلاً: أنا المعلم "مصطفى صونغور" جئت إليك من عند الأستاذ.
وأخذ يضمني إلى صدره، وأنا في حالة خجل شديد لا أرغب في الاحتضان، حيث كنت أقول في نفسي كيف أحتضن هذا القروي وأنظار الطلاب من أهل المدينة مصوبة إلينا، فقد رأيت أن نفسي تستنكف الموقف الحرج. ولكن شخصية هذا الشاب القوية وإخلاصه التام وتضحيته في سبيل الإيمان وحبه الجم لرسائل النور قد أثرت فيّ كثيراً. فالذي أريد أن أقوله هو أن رسائل النور والأستاذ نفسه يكسبان الإنسان حالة صميمة وخالصة وجادة، ويجعلان الإنسان يتوجه إلى الباري عز وجل بقلب سليم وبتواضع حقيقي دون غرور أو حب للنفس، حيث يصبح الإنسان فعلا في حالة فطرية جميلة وبصورة دائمة، لأنه ينظر دائماً إلى الوجه الحسن من أمور الدنيا ولا يفكر إلا بالجميل منها.
فهذه الحالات كانت تبرز بشكل أوضح عند الأستاذ. وأينما التقيتَ مع أي طالب من طلاب النور إلا ورأيت فيه هذه الصفات الخاصة فتغمرك أخوة خالصة وتواضع جاد. ولذلك عندما رأيت الأستاذ لأول مرة أخذتني الحيرة من شدة تواضعه. حتى دفعني هذا التواضع الشديد منه إلى أن أسأل أحد طلابه قائلا: هل يعرف الأستاذ القراءة والكتابة؟ وهل يعرف اللغة العربية؟
وعلى الرغم من أن الأستاذ لا يتحدث عن نفسه قط، بل كان جلّ حديثه حول رسائل النور إلا أن تعامله معك كصديق حميم وأخ مخلص يجعلك تنجذب إليه سواء أكنت طالباً أم صديقاً، فترتبط معه من صميم قلبك، فهو يحاول ربطك بحقائق القرآن ورسائل النور التي هي تفسيره في هذا العصر.([1])
[1]() ذكريات عن سعيد النورسي ص40.
