كان يعلمنا كيف نفكر
كان الأستاذ يرتقي التلال التي تشرف على مدينة إسبارطة ليشاهد فيما حواليها من مناظر الفطرة ومشاهد الطبيعة، وكانت الطريق مكسوة بأشجار الفواكه وخاصة العنب. فيمسك الأستاذ بعنقود منها -دون أن يقطعه- ويعدّ حباته مبيناً لنا ما فيه من بدائع الصنعة الإلهية والإتقان الرباني فيقول: "انظروا وتأملوا في حلويات القدرة الإلهية هذه"..
فكان يعلمنا بهذا كيف نفكر في مخلوقات اللّٰه المبثوثة في معرض اللّٰه.. وهكذا كنا نتلقى دروساً إيمانية في التدبر وفق منهج القراءة في كتاب الكون المفتوح أمامنا.([1])
[1]() ذكريات عن سعيد النورسي ص74. يذكر الأستاذ في «الكلمات، الكلمة الثانية والعشرون الآتي: لقد أحصيتُ ذات يوم عناقيد ساق نحيفة لعنب متسلق -بغلظ إصبعين- تلك العناقيد التي هي معجزات الرحيم ذي الجمال في بستان كرمه. فكانت مائة وخمسة وخمسين عنقوداً. وأحصيتُ حبّات عنقود واحد منها فكانت مائة وعشرين حبة. فتأملت وقلت: لو كانت هذه الساق الهزيلة خزانة ماء معسّل، وكانت تعطي ماءً باستمرار لما كانت تكفي أمام لفح الحرارة ما ترضعه لمئاتِ الحبات المملوءة من شراب سكر الرحمة. والحال أنها قد لا تنال إلاّ رطوبة ضئيلة جداً، فيلزم أن يكون القائم بهذا العمل قادراً على كل شيء. فـ«سبحان من تَحيَّرُ في صنعه العقول». ويذكر في الكلمة التاسعة والعشرون منها إحصاءه لعدد أغصان شجرة اللوز وعدد فروعها بل حتى عدد ما في أزاهيرها من خيوط.
