الإيمان أولاً
يروي الأستاذ "علي أوزك"([1]): "عندما قدمت إلى إسطنبول من مصر وأنا مازلت طالباً في الأزهر الشريف، استفسرت عن الأستاذ النورسي، فوجدته ساكناً في منطقة "الفاتح" في بيت خشبيّ قديم، ولدى زيارتي له في غرفته رأيته متمدداً على فراشه -من المرض- سلمت عليه، فرد السلام، ولكن حينما أخبرته بأن الشيخ مصطفى صبري(*) يخصك بالسلام، جلس معتدلاً وقال بتقدير وإكبار:
- وعليكم السلام ورحمة اللّٰه وبركاته.. وماذا يقول الأستاذ مصطفى صبري؟
- سيدي الأستاذ يسأل الشيخ مصطفى صبري عن عدد طلابكم!
- لي خمسمائة ألف طالب وخادم للقرآن الكريم!
- يقول الشيخ مصطفى صبري.. إذن ماذا ينتظر؟ ولماذا لا يبدأ بجهاد إسلامي مع هذا العدد من طلابه؟
- بلّغ سلامي له أولا، ثم قل له: "إن دعوتنا هي الإيمان، والجهاد يلي الإيمان، وإن زماننا هذا هو زمان خدمة الإيمان ووظيفتنا هي الإيمان وخدمتنا تنحصر في الإيمان..".
ثم تكلم بإسهاب عن موضوعات إيمانية، وعن كيفية القيام بخدمة الإيمان، وعندما أردت المغادرة قام ليودعني فقبلت يده وودعته.
ولما رجعت إلى مصر، زرت الشيخ مصطفى صبري، وكان طريح الفراش، وقد أنهكه المرض وأدركته الشيخوخة، حدثته عما دار بيني وبين الأستاذ النورسي في تركيا، فاستمع لي جيداً. ثم قال: "حقاً إن الأستاذ النورسي هو المحق. نعم، إن ما قاله صدق وصواب، فقد وفقه اللّٰه في مسعاه، أما نحن، فقد أخطأنا، حيث ثبت هو في البلاد ونحن غادرناها".
وهكذا استصوب مصطفى صبري عمل بديع الزمان وقوله.
[1]() ذكريات عن سعيد النورسي ص95. وهو أستاذ اللغة العربية وعميد المعهد الإسلامي العالي في إسطنبول، له مؤلفات قيمة في اختصاصه.
