معارضة الاتحاد والترقي وعدّ محبتهم غير مشروعة
إن خطأ أعضاء تركيا الفتاة نابع من عدم معرفتهم بأن الدين أساس الحياة. فظنوا أن الأمة شيء والإسلام شيء آخر وهما متمايزان! ذلك لأن المدنية الحاضرة أوحـت بذلك واستولت على الأفكار بقولها: "إن السعادة هي في الحياة نفسها". إلاّ أن الزمان أظهر الآن أن نظام المدنية فاسد ومضر. والتجارب القاطعة أظهرت لنا أن الدين حياة للحياة ونورها وأساسها. إحياء الدين إحياء لهذه الأمة. والإسلام هو الذي أدرك هذا. إن رقي أمتنا هو بنسبة تمسكها بالدين، وتدنيها هو بمقدار إهمالها له، بخلاف الأديان الأخرى. هذه حقيقة تاريخية، قد تنوسيت.([1])
س: كنتَ تعارض الاتحاد والترقي، إلاّ أنك تسكت عليهم الآن.
قلت: لكثرة هجوم الأعداء عليهم.
إن هدف الهجوم الذي يشنه الأعداء هو العزم والثبات اللذان يتحلّون بهما وعدم كونهم وسيلة لتنفيذ مآرب الأعداء في تسميم أفكار المسلمين. وهذا من حسناتهم. إنني أرى أن الطريق طريقان؛ ككفتي الميزان. خفة إحداهما تولد ثقل الأخرى. فأنا لا أصفع "أنور"(*) بجانب "أنترانيك"،([2]) ولا أصفع "سعيد حليم"(*) بجانب "فنـزيلوس"(*) وفي نظري أن الذي يصفعهما سافل منحط.([3])
نعم، إنني عارضت شعبة -الاتحاد والترقي- المستبدة هنا، تلك التي أذهبت شوق الجميع وأطارت نشوتهم وأيقظت عروق النفاق والتحيّز وسببت التفرقة بين الناس وأوجدت الفرق والأحزاب القومية، وتسمّت بالمشروطية بينما مثلت الاستبداد في الحقيقة، بل حتى لطخت اسم الاتحاد والترقي.([4])
ولقد كان تسعون بالمائة من هذه الحركة([5]) موجهة ضد الاتحاد والترقي وضد استبدادهم ودكتاتوريتهم.([6])
لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد. إلاّ أنها الآن تعادي الحياة بأكملها. فإن كانت الحكومة على هذا الشكل والمنطق؛ فليعش الجنون وليعش الموت، ولتعش جهنم مثوىً للظالمين.([7])
ومع هذا فإن القدر الإلهي يعذبني بالأيدي الظالمة لأهل الدنيا هؤلاء، وذلك بسبب ما لا يستحقونه من ميلي إليهم، وفق القاعدة: "إن نتيجة محبة غير مشروعة عداوة ظالمة".
وقد كنت أوثر الصمت، لعلمي أني أسـتحق هذا العذاب، حيث إنني قد خدمت بصفة قائد للمتطوعين في الحرب العالمية الأولى، وخضت المعارك، وضحيت بخيرة طلابي وأحبّائي مع نيل تقدير القائد العام للجيش أنور باشا. وسقطت جريحاً، وأُسرت. وبعد مجيئي من الأسر ألقيت بنفسي في المهالك، بتأليفي كتاب "الخطوات السـت" الذي تحديت به الإنكليز وهم يحتلون إسطنبول. فعاونت هؤلاء الأصدقاء الذين ألقوني في عذاب الأسر بغير سبب. وكان هذا جزائي نظير معاونتي لهم، فأذاقني هؤلاء من المصاعب والمتاعب في ثلاثة شهور ما يفوق المصاعب والمتاعب التي قاسيت منها في روسيا طوال ثلاث سنوات.([8])
[1]() الكلمات، اللوامع.
[2]() أنترانيـك: رئيس منظمة الطاشناق الأرمنية، أشغل الدولة العثمانية مـدة طويلة من الزمـن بعدد من ثوراتـه ضـد الدولة.
[3]() صيقل الإسلام، السانحات.
[4]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.
[5]() حادثة 31 مارت، سيرد توضيحها في هذا الفصل.
[6]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.
[7]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.
[8]() المكتوبات، المكتوب السادس عشر.
