سنة 1909م/1327هـ

 

مساندة جمعية الاتحاد المحمدي

 

«طرق سمعي أن جمعية باسم "الاتحاد المحمدي" قد تأسست،([1]) فتوجست خيفة شديدة من صدور تصرفات خاطئة من بعضهم تحت هذا الاسم المبارك.

ثم سمعت أن أشخاصاً مرموقين -من أمثال سهيل باشا والشيخ صادق- قد حوّلوا هذا الاسم إلى شيء بسيط ويسير إذ حصروه في العبادة واتباع سنن مطهرة، فقطعوا علاقتهم بتلك الجمعية السياسية. فلا يتدخلون بعدُ بالسياسة. فخشـيت مرة أخرى حيث قلت: إن هذا الاسم هو حقّ المسلمين كافة، فلا يقبل تخصصاً ولا تحديداً. فكما أني منتسـب إلى جمعيات دينية عديدة من جهة -حيث قد رأيت أن أهدافها واحدة- كذلك أنتسب إلى ذلك الاسم المبارك.

ولكن الاتحاد المحمدي الذي أعرفه وانضممت إليه هو الدائرة المرتبطة بسلسلة نورانية ممتدة من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال. فالذين ينضوون تحت رايته يتجاوز عددهم ثلاثمائة مليون في هذا العصر، وإن جهة الوحدة والارتباط في هذا الاتحاد هو توحيد اللّٰه. قَسَمه وعهده هو الإيمان. والمنتسبون إليه جميع المؤمنيـن منذ الخليقة. وسِجِلّ أسماء أعضائه هو اللوح المحفوظ. وناشر أفكاره: جميع الكتب الإسلامية والصحف اليومية التي تستهدف إعلاء كلمة اللّٰه. ومحالّ اجتماعاته ونواديه هي الجوامع والمساجد والتكايا والمدارس الدينية. ومركزه: الحرمان الشريفان.

فجمعية مثل هذه.. رئيسها هو فخر العالمين سيدنا الرسول الكريم r. ومسلكها ومنهجها: مجاهدة كل شخص نفسه أي التخلق بأخلاق الرسول الكريم r وإحياء السنة النبوية ومحبة الآخرين وإسداء النصح لهم ما لم ينشأ منه ضرر. والنظام الداخلي لهذا الاتحاد: السنة النبوية. وقانونه: الأوامر الشرعية ونواهيها. وسيوفه: البراهين القاطعة، حيث إن الظهور على المدنيين المثقفين إنما هو بالإقناع وليس بالضغط والإجبار. وإن تحرّي الحقيقة لا يكون إلاّ بالمحبة، بينما الخصومة تكون إزاء الوحشية والتعصب. أما أهدافه ومقاصده فهي إعلاء كلمة اللّٰه.

هذا وإن نسبة الأخلاق والعبادة وأمور الآخرة والفضيلة في الشريعة هي تسع وتسعون بالمائة بينما نسبة السياسة لا تتجاوز الواحدة بالمائة. فليفكر فيها أولياء أمورنا.

والآن فإن مقصدنا هو سوق الجميع بشوق وجداني إلى كعبة الكمالات بطريق الرقي، وذلك بتحريك تلك السلسلة النورانية، إذ إن الرقي المادي سبب عظيم لإعلاء كلمة اللّٰه في هذا الزمان. وهكذا فأنا أحد أفراد هذا الاتحاد ومن الساعين لرفع رايته وإظهار اسمه وإلاّ فلسـت من الأحزاب والجمعيات التي تسبب الفرقة بين الناس.([2])

وفي الأيام الأولى من التحقيق سألوني مثلما سألوا غيري، وقالوا كذلك: هل انضممت إلى "الاتحاد المحمدي"؟

قلت: نعم بكل فخر واعتزاز! أنا من أصغر أعضائه، ولكن بالوجه الذي أعرّفه. أروني أحداً خارج ذلك الاتحاد من غير الملحدين. وهكذا فأنا أنشر اليوم ذلك الخطاب لأنقذ المشروطية من التلوث، وأنجي أهل الشـريعة من اليأس، وأخلّص أبناء العصر من وصم الجهل والجنون بهم في نظر التاريخ، وأنتشل الحقيقة من الأوهام والشبهات.([3])

نعم، إنني دعوت ظاهراً إلى هذا "الاتحاد المحمدي" من أجل مقصدين عظيمين:

المقصد الأول: إنقاذ ذلك الاسم من التحديد والتخصيص، ولأعلن شموله المؤمنين عامة كي لا يقع الخلاف والفرقة ولا ترد الشبهات والأوهام.

المقصد الثاني: ليكون سداً أمام افتراق الفرق والأحزاب الذي كان سبباً في هذه المصيبة الفائتة العظيمة، وذلك بمحاولة التوحيد بينها، فيا أسفى لم يسعفنا الزمن فجاء السيل فأوقعني أيضاً.

ثم كنت أقول: لو نشب حريق فسأحاول إطفاء جزء منه في الأقل، ولكن احترقتْ حتى ملابسي العلمية. وذهبتْ -برضى مني- الشهرة الكاذبة التي لا أستطيع تعهدها».([4])

 

[1]() تأسست في 5/4/1909م وأعلن عنها في اجتماع حاشد في جامع أياصوفيا وألقى الأستاذ النورسي هناك خطبة رائعة.

 

[2]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.

[3]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.

[4]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.

Ekranı Genişlet