رد الأوهام

                                                         18/3/1325رومي

                                                         1/3/1909 ميلادي

 

«سأردّ هنا الأوهام الفاسدة التسعة التي أُسندت إلى جماعة الاتحاد المحمدي:

الوهم الأول: أن طرح المسألة الدينية في أوساط الناس لا يلائم مثل هذا الظرف الدقيق.

الجواب: نحن نحب الدين ونحب الدنيا أيضاً لأجل الدين.. ولا خير في الدنيا بلا دين.

ثانياً: ما دامت الحاكمية للشعب في المشروطية فلا بد أن يثبت الشعب وجوده. وشعبنا مسلم ومسلم فقط. فليست هناك رابطة حقيقية وقوية غير الإسلام بين العرب والترك والكرد والأرناؤوط والشركس واللاز.

إن إهمالاً طفيفاً في الدين أدّى إلى إرساء قواعد طوائف الملوك وظهور الجاهليات الميتة قبل ثلاثة عشر قرناً وبالتالي إلى ظهور الـفتن والقـلاقـل. وقد ظهرت فعلاً وشاهـدناها.

الوهم الثاني: أن تخصيص هذا العنوان -أي الاتحاد المحمدي- يجعل غير المنتسبين إليه في شك من أمرهم.

الجواب: وقد قلت سابقاً: فإما لم يُقرأ أو فُهم خطأً؛ لذا أضطر إلى التكرار وهو أننا عندما نقول "الاتحاد المحمدي" الذي هو اتحاد الإسلام، فالمراد هو الاتحاد الموجود الثابت بين جميع المؤمنيـن بالقوة أو بالفعل، وليس المراد جماعة في إسطنبول أو في الأناضول إذ إن أيّ قطرة من ماءٍ تحمل صفة الماء، فلا أحد خارج هذا الاتحاد، ولا يخصص هذا العنوان بأحد. وتعريفه الحقيقي هو:

أن أساس هذا الاتحاد يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال.. ومركزه: الحَرمان الشريفان.. وجهة وحدته: التوحيد الإلهي.. عهده وقَسَمه: الإيمان.. نظامه الداخلي: السنة النبوية الشريفة.. قوانينه: الأوامر والنواهي الشرعية..مقر اجتماعاته: جميع المدارس والمساجد والزوايا.. ناشرُ أفكار تلك الجماعة نشراً خالداً إلى الأبد: جميع الكتب الإسلامية وفي المقدمة القرآن الكريم وتفاسيـره، (ورسائل النور إحدى تلك التفاسير في زماننا هذا) وجميع الصحف الدينية والجرائد النـزيهة التي تهدف إلى إعلاء كلمة اللّٰه.. ومنتسبوه: جميع المؤمنين.. رئيسه: فخر العالمين r.

والآن لنقف عند الصدد وهو: تيقظ المؤمنين وإقبالهم نحو الإسلام ولا ينكر ما للرأي العام من تأثيـر.. وهدف الاتحاد وقصده: إعلاء كلمة اللّٰه.. ومسلكه: الجهاد الأكبر للنفس وإرشاد الآخرين.. وهمة هذه الهيئة المباركة مصروفة بنسبة تسع وتسعين بالمائة إلى غير السياسة من تهذيب الأخلاق واستقامة السلوك وما شابهها من الفضائل والمقاصد المشروعة، إذ إن الجمعيات المتوجهة إلى مثل هذه المقاصد نادرة، علماً أن أهميتها جليلة. وهناك واحد بالمائة من المقاصد يتعلق بالسياسة وهو إرشاد السياسيين.. سيوفهم: البراهيـن القاطعة.. مشربهم: المحبة وإنـماء المحبة المندمجة في بـذرة الأخوة الموجودة بين المـؤمنـين لتصبح شجرة طوبى مباركة.

الوهم الخامس: ربما ينفر الأجانب من هذا الاتحاد؟

الجواب: إن مَن يجد في نفسه هذا الاحتمال جاهل لا محالة، إذ يردّ هذا الاحتمال ما يلقى من خطب ومحاضرات حول الإسلام وعظمته في مراكزهم وعواصمهم.

ثم إن أعداءنا ليسوا بالأجانب. وإنما الذي أردانا إلى هذا الوضع وحال بيننا وبين إعلاء كلمة اللّٰه هو مخالفتنا للشريعة الغراء نتيجة "جهلنا" بها، و"الضرورة" التي أثمرت سوء الأخلاق وسوء المعاملات و"الاختلاف" الذي انتج الأغراض الشخصية والنفاق. فاتحادنا هجوم على هذه الثلاثة من الأعداء الظلمة.

أما جهل الأجانب بالإسلام في القرون الوسطى، فالإسلام مع اضطراره إلى معاداة الجهل والهمجية قد حافظ على العدالة والاستقامة معهم فلم يُرَ في التاريخ الإسلامي أمثال محاكم التفتيش. ولما قوي ساعد المدنيين في زمن التحضر هذا. فقد زال عنهم ذلك التعصب الذميم.

إن الظهور على المدنيين من منظور الدين إنما هو بالإقناع وليس بالإكراه. وبإظهار الإسلام محبوباً وسامياً لديهم وذلك بالامتثال الجميل لأوامره وإظهار الأخلاق الفاضلة. أما الإكراه والعداء، فهما تجاه وحشية الهمجيين.

الوهم السادس: أن البعض يقول: إن اتخاذ اتحاد الإسلام اتباع السنة النبوية هدفاً له يحدد من الحرية وينافي الأخذ بمتطلبات المدنية.

الجواب: المؤمن حرّ في ذاته، فالذي هو عبد للّٰه رب العالمين لا ينبغي له أن يتذلل للناس، بمعنى أنه كلما رسخ الإيمان قويت الحرية. أما الحرية المطلقة فما هي إلاّ الوحشية المطلقة بل بهيمية، وتحديد الحرية ضروري من وجهة نظر الإنسانية..

ثالثاً: إن قسماً من السفهاء والمهملين يريدون أن يظلوا أذلاء أسارى النفس الأمارة بالسوء فلا يروق لهم العيش الحر.

الحاصل: أن الحرية الخارجة عن دائرة الشرع، إنما هي استبداد أو أسرٌ بيد النفس الأمارة بالسوء، أو بـهيمية أو وحشية. فليَعلم جيداً هؤلاء الزنادقةُ والمهملون للدين أنهم لا يستطيعون أن يحببوا أنفسهم لأي أجنبي كان يملك وجداناً بالإلحاد والسـفاهة، بل لا يمكنهم أن يتشبهوا بـهم. لأن السفيه والذي لا يسير على هدى لا يكون محبوباً، فالثياب الـلائقـة بامرأة إذا ما لبسها الرجل يكون موضع هـزء وسخرية.

الوهم السابع: أن جمعية اتحاد الإسلام إنما هي لشق الصف بين سائر الجمعيات الإسلامية وتوليد الحسد والنفرة بينها.

الجواب:

أولاً: إن الأمور الأخروية لا حسد فيها ولا تنافر ولا تزاحم، فأيما جمعية حسدت وزاحمت الاتحاد فكأنما تنافق في العبادة وترائي فيها.

ثانياً: إننا نتحد مع الجماعات المتشكّلة بدافع محبة الدين وخدمته وذلك على وفق شرطين اثنين:

الشرط الأول: المحافظة على النظام العام للبلاد والحرية الشرعية.

الشرط الثاني: انتهاج نهج المحبة، وعدم محاولة إظهار مزايا لها بانتقاص الجمعيات الأخرى، بل الأولى مراجعة مفتي الأمة وجماعة العلماء فيما إذا ظهر خطأ.

ثالثاً: إن الجماعة التي تهدف إلى إعلاء كلمة اللّٰه لن تكون وسيلة لأي غرض مهما كان، وإذا تشـبثت بالأغراض فلا يحالفها التوفيق قطعاً لأنه نفاق، فشأن الحق عالٍ وسام لا يُضحّى به من أجل أي شيء كان. كيف تكون نجوم الثريا مكانس، أو كيف تؤكل كعناقيد عنبٍ؟ إن الذي يريد أن يطفئ شمس الحقيقـة بالنفـخ إنما يدلّ على بلاهتـه وجنونـه.

أيتها الصحف الدينية!

إن قصدنا وهدفنا هو اتحاد الجماعات الدينية في الهدف. إذ كما لا يمكن الاتحاد في المسالك والمشارب فلا يجوز أيضاً، لأن التقليد يشق طريقه ويؤدي إلى القول: "مالي وما عليّ فليفكر غيري".

الوهم الثامن: أن المنتسبين إلى الاتحاد -معنىً وصورة- أكثرهم من العوام وقسم منهم غير معروفين وهذا مدعاة إلى حدوث فتن واختلافات.

الجواب: إنما ذلك لعدم السماح في هذا الاتحاد بالتمايز بين الناس سواء أكانوا من الخاصة أم من العامة، ثم لأن المرء في الاتحاد يدعو إلى إعلاء كلمة اللّٰه فكل ما يقوم به يثاب عليه ثواب عبادة.. ففي جامع العبادة يتساوى الملك والمتسول، فلا امتياز، بل المساواة الحقة دسـتور قائم. لأن الأكرمَ عند اللّٰه هو الأتقى، والأتقى هو المتواضع، فبناءً على هذا يتشرف الشخص بانتسابه إلى هذه الجماعة الخالصة لخدمة الدين والدعوة إلى الآخرة، وإلاّ فلا يزيد الاتحاد شرفاً، إذ القطرة لا تزيد البحر شيئاً.. ثم إن الإنسان كما لا يخرج عن الإيمان بارتكاب كبيرة، فإن باب التـوبة أيضاً مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربـها. والبحر لا يتنجس بغرفة ماء، بل يطهّر اليد فالمنتسب إلى هذا المثال المصغر للاتحاد الإسلامي يشترط عليه اتباع السنة النبوية وإحياؤها وامتثال أوامرها واجتناب نواهيها وعدم الإخلال بأمن البلاد ونظامها فالمجهول الذي انتسب إلى هذا الاتحاد لا يلوث قصداً هذه الحقيقة ما اسـتطاع إليه سبيلاً، وحتى لو كان المرء نفسه مذنباً فإيـمانه نزيه مقدّس. والرابطة إنما هي بالإيمان ليس إلاّ.

فتشويه هذا العنوان المقدس بحجج واهية أمثال هذه إنما ينجم عن الجهل بعظمة الإسلام فضلاً عن إظهار هذا المتحجج نفسه أنه أحمق الناس.

نحن نردّ بكل ما أوتينا من قوة تشويه سمعة اتحادنا الذي يمثل "اتحاد المسلمين" أو التعريض به مما هو دأب الجمعيات الدنيوية الأخرى، ونحن على أتم استعداد للإجابة عن أي استفسار واعتراض كان.

إن الجماعة التي أنضمُّ إليها إنما هي هذا الاتحاد الإسلامي الذي فصّلنا القول فيه. وإلاّ فليست هي تلك التي يتخيلها المعترضون بخيالهم الباطل.

إن أفراد هذه الهيئة الدينية هم معاً، سواءً أكانوا في الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال».([1])

 

[1]() صيقل الإسلام، الخطبة الشامية.

Ekranı Genişlet