تنبيه أرباب الصحافة
«لقد دأبت الصحف على زعزعة الأخلاق الإسلامية بقياسين فاسدَين وبـما يوهن العزة والإقدام، حتى أهلكوا الأفكار العامة السائدة. فتصديت لهم بمقالات نشرتها في الجرائد وقلت لهم:
يا أرباب الصحف! على الأدباء أن يلتزموا بالآداب، وعليهم أن يتأدبوا بالآداب اللائقة بالإسلام. فينبغي أن تكون أقوالهم صادرة من صدور لا تحيد لجهة، ومن قلوب عموم الناس، فيشترك معهم عموم الأمة. ويجب تنظيم برنامج المطبوعات بما في وجدانكم من شعور ديني ونية خالصة. بينما أنتم بقياس فاسـد، أي بقياس الريف بإسطنبول، وإسطنبول بأوروبا أوقعتم الرأي العام والأفكار السائدة في مستنقع آسن، فنبهتم عروق الأغراض الشخصية والمنافع الذاتية وأخذ الثأر، حيث يلقن الطفل الصغيـر الذي لم يدرج بعد في المدرسة، الفلسفة الطبيعية المادية. فكما لا تليق بالرجل فَسَاتِين الراقصات فلا تطبق مشاعر أوروبا في إسطنبول، إذ اختـلاف الأقوام وتخالف الأماكن والأقطار شبيهة بتباين الأزمنة والعصور. بمعنى أن الثورة الفرنسية لا تكون دستوراً لنا. فالخطأ ينجم من تطبيق النظريات وعدم التفكر بمتطلبات الوقت الحاضر.([1])
وحسب علمي أن الأدباء يكونون متأدبين، إلاّ أنني أجد بعض الصحف الخارجيـة خالية من الأدب وناشرة للنفاق. فإن كان هذا هو الأدب، والآراء العامة مختلطةً إلى هذا الحد، فاشهدوا أني تخليت عن هذا الأدب، فلست داخلاً فيهم أيضاً. وسأطالع الأجرام واللوحات السماوية النيرة على ذرى جبال موطني، قمة "باشيد"، بدلاً من مطالعة هذه الصحف.([2])
إنني أعترض على أساس فكر الصـحف التي ظهرت بعد منتصف نيسان وذلك أنهم أوجدوا منفذاً ومبرراً للتضحية بالعزة والكرامة والطاعة العسكرية -التي هي أسمى من الحياة بل تضحى لأجلها بالحياة- في سبيل أعمال غيـر مشروعة، وأفعال خسيسة خادمة للحياة نفسها لدى أهل الوجدان.
ثم إنهم ظنوا أن شمس الشريعة التي تنجذب إليها الحقائق والأحوال وترتبط بها، تابعة للسلطة أو منقادة للخلافة أو أداة لأية سياسة أخرى، فأظهروا -ما اعتقدوه- أن الشمس المنيرة تابعة لنجم منخسف.
أقول بكل ما أملك من قوة: إنه لا رقيَّ لنا إلاّ برقي الإسلام الذي هو مِلِيَّتُـنَا، ولا رفعة لنا إلاّ بتجلي حقائق الشريعة، وبخلافه نكون مصداقاً للمثل القائل: "أضاع المشيتين".
نعم، علينا أن نستشعر بشرف الأمة وعزتها وثواب الآخرة وبشأن المجتمع، وقيمته، والحميّة الإسلامية، وحب الوطن وبحب الدين، ففي المضاعفات قوةٌ أية قوة».([3])
[1]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.
[2]() صيقل الإسلام، المحكمة العسكرية.
[3]() المصدر نفسه.
