الفصل الرابع
في فريضة الجهاد
1915م/1334هـ
تشكيله فرقة المتطوعين 1
«في أثناء الحرب العالمية الأولى([2]) كنت مع الشهيد المرحوم الملا حبيب، نندفع بالهجوم على الروس في جبهة "باسينلر". فكانت مدفعيتهم تواصل رمي ثلاث قذائـف علينا في كل دقيقة أو دقيقتين، فمرّت ثلاث قذائف من على رؤوسنا تـماماً وعلى ارتفاع مترين. وتراجع جنودنا القابعون في الخندق. قلت للملا حبيب للتجربة والامتحان:
ما تقول يا ملا حبيب؟ لن اختبئ من قنابل هؤلاء الكفار. فقال: وأنا كذلك لن أتخلف عنك ولن أفارقك. فوقعت الثانية على مقربة منا. فقلت للملا حبيب واثقاً من الحفظ الإلهي لنا: هيا نتقدم إلى الأمام! إن قذائف الكفار لا تقتلنا، نحن لن نتدنى إلى الفرار والتخلف.
وكذا الأمر في معركة "بتليس" وفي الجبهة الأمامية منها، فقد أصابت ثلاث طلقات للروس موضعاً مميتاً مني وثقبت إحداها سروالي ومرت من بين رجليّ. كنت أحمل حينها -في تلك الحالة الخطرة- حالة روحية تترفع عن النـزول إلى الخندق، حتى قال القائد "كَل علي" والوالي "ممدوح" من الخلف: لينسحب، أو ليدخل الخندق فوراً! ورغم قولهم هذا، وقولي: قذائف الكفار لا تقتلنا، وعدم اكتراثي بالحذر والحيطة، فلم أحاول الحفاظ على حياتي البهيجة أيام شبابي تلك».([3])
وهكذا "بعد أن أدّى بديع الزمان فريضة الجهاد في جبهة القفقاس "قائداً لفرق الأنصار" على أفضل وجه حيث حظي بتقدير القائد العام أنور باشا وقواد الفرق وإعجابهم، انسحب إلى مدينة "وان" حيث كانت القوات الروسية متجهة نحوها.
وفي أثناء إخلاء الحكومة مدينة "وان" من أهاليها لإنقاذهم من هجوم القوات الروسـية عليها، قرر بديع الزمان مع قسم من طلابه الدفاع عن المدينة حتى الشهادة محتمين بقلعتها، إلاّ أنه بانسحاب الوالي والقائمقام والأهلين والجيش نحو "بتليس" هاجم فوج من فرسان القازاق الروسية على "وَسْطَان" فكان ملا سعيد وقلة من طلابه وما يقارب الأربعين من الجنود -الذين لم ينسحبوا بعد- يصدونهم، حتى حالوا دون سقوط أطفال الأهلين وأموالهم بيد العدو. فتمكن الأهلون جميعاً من النجاة أثناء الانسحاب دون أن ينال العدو منهم شيئاً.
ولأجل قذف الرعب في قلوب المهاجمين القازاق تظاهر هو وطلابه أنهم يحتلون تلاً يطل عليهم، مما أوحى إليهم أن مدداً عسكرياً ضخماً قد أتاهم، فحدّ بذلك من تقدم القازاق، فكان سبباً في عدم استيلاء الروس لقصبة "وسطان".
وفي أثناء تلك المعارك كان يعود إلى الخندق ويملي على طالبه النجيب "الملا حبيب" تفسير "إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز" بل كان يملي أحياناً وهو على صهوة جواده أو في خط الدفاع الأول حتى أتمّ القسم الأعظم من ذلك التفسير الجليل".([4])
[1]() دخل الأستاذ واعظاً في الجيش العثماني سنة 1914م، وفي سنة 1915م شكّل فرق المتطوعين "الأنصار" وقادهم في جبهة القفقاس.
[2]() احتل الروس شرقي الأناضول في 31/10/1914وتم دفعهم في 15/1/1915 بعد أن اٌستشهد ستون ألف جندي عثماني، وعاد الروس لاحتلال المنطقة مرة أخرى في13/1/1916 بثلاثة أضعاف القوات العثمانية ودخلوا أرضروم في 16/2/1916.
[3]() الملاحق، ملحق أميرداغ 2.
[4]() T. Hayat, ilk hayatı
