الأسر

 

«لقد أحاطتني أوضاع مخيفة جداً في تلك الحرب العالمية، حتى تمزقت المسودة الأولى لإشارات الإعجاز بيد العدو حيث أصابتني أربع قذائف دفعة واحدة، وجُرحت في إحداها، وانكسرت ساقي، فبقيت في الماء والطين أربعاً وثلاثين ساعة منتظراً الموت، ومحاصراً من قبل العدو. فهذا الوقت يعدّ أحلك أوقاتي اليائسة وأشدها رهبة».([1])

وإنها لعناية إلهية أن الجنود الروس لم يعثروا عليهم رغم البحث المستديم ورغم أنهم كانوا في وضع يرون الروس. فقال لطلابه الفدائيين: أصدقائي.. لا تقفوا في مواضعكم هكذا، اتركوني وشأني. فإني لا أسامحكم، اسعوا لإنقاذ أنفسكم.

فأجابوه: لا نتركك قطعاً وأنت في هذا الوضع. فلنستشهد ونحن في خدمتكم.

وهكذا ظلوا مع أستاذهم حتى أسَرَهُم الروس.([2])

ثم سيقوا إلى وان، جلفا، تفليس، كيلو غريف، قوصتورما. وظل في الأسر سنتين ونصف السنة تقريباً حتى تمكن من الفرار وعاد إلى إسطنبول سنة 1336هـ.([3])

[يسجل عبدالمجيد تاريخ الأسر لدى استنساخه "إشارات الإعجاز" وانسكاب الحبر بالآتي:]

هذا النقش الغريب في هذا المبحث العجيب وقع توافقاً حينما نسخته في دياربكر بدار جودت بك في تسعة عشر من شباط عصر ليلة الجمعة صادف سـقوط بتليس وأسارة المؤلف "بديع الزمان" تلك الليلة([4]) فكأن حصول هذا النقش على هذه الصحيفة في تلك الليلة إشارة -واللّٰه أعلم- إلى إراقة دماء مَن في معية المؤلف من الطلبة وأسْرِه في تلك الليلة في بتليس. اهـ..([5])

 

[1]() (ب) 305 عن اللمعات - عثمانية 870.

 

[2]() T. Hayat, ilk hayatı. بعد أن انكسرت ساق الأستاذ اجتمعنا حوله حالاً وأخذناه إلى جدول ماء مسقف. ووضعنا عدداً من بنادقنا في جدول الماء ومددنا ساقه عليها، حتى أخذ قسطاً من الراحة. ثم توجه إلينا قائلاً: إخوتي لقد حكم عليّ القدر بالأسر، انظروا إلى أمر نجاة أنفسكم. فما إن قال هذا حتى أجهشنا بالبكاء، وقلنا: إلى أين نذهب أيها الأستاذ، فهل يمكن أن نتركك وأنت على وضعك هذا، ألم يبق لنا شرف وغيرة، فلئن متنا أو بقينا أحياء فليكن ذلك في خدمتك.

    وهكذا مضت علينا أربع وثلاثون ساعة من الوقت ونحن في ذلك الموضع، والبردُ الشديد يهلكنا فالثلوج تغطى كل مكان والجوع يفتك بنا -منذ ثلاثة أيام- فضلاً عن الأرق الشديد، والخوف يلفنا من كل جانب...

    وأخيراً قررنا أن يذهب أحدنا -وهو عبدالوهاب الذي يعرف شيئاً من الروسية- لإبلاغ الروس عن موضعنا... وفعلاً تم ذلك فأخذ الروس الأستاذ ممتداً في سدية على أكتافهم ونحن حوله (ب) 1/320 عن خاطرة علي جاويش باختصار.

[3]() T. Hayat, ilk hayatı.

[4]() سنة 1331 بالتاريخ الرومي، أما بالتاريخ الميلادي فيوافق 2/3/1916.

[5]() إشارات الإعجاز.

Ekranı Genişlet