سنة 1920م/1338هـ

 

نشر الخطوات الست لمقاومة الإنكليز

 

عندما بدأ القائد العام للجيش الإنكليزي الذي احتل إسطنبول([1]) ببذر بذور الخلاف بين المسلمين حتى خدع شيخ الإسلام وبعض العلماء الآخرين وجعل أحدهم يهاجم الآخر، ووسع الخلاف بين جماعة الاتحاديين([2]) وجماعة "الائتلاف" لكي يهيئ الجو لانتصار اليونانيين واندحار الحركة الملية الوطنية. قمت آنذاك بتأليف كتـابي "الخطوات الست" ضد الإنكليز وضد اليونانيين، وقام السيد "أشرف أديب"([3]) بطبعه ونشره، مما ساعد على إبطال مفعول الخطة الجهنمية لذلك القائد.([4])

وما إن دخل القائد الإنكليزي إسطنبول حتى سُلّمت له رسالة "الخطوات الست" التي تـهاجمهم بعنف وتفنّد أباطيلهم وتشد من عزائم المسلمين.. وعُرض عليه نشاط "بديع الزمان" الدائب في فضح سياسة المحتلين وتأليب الناس عليهم.

قرر القائد الإنكليزي إعدام الأستاذ النورسي، ولكن عندما أُعلم أن هذا القرار سيثير غضب الأمة كلها ويزيد سخطها، وسيدفعهم إلى القيام بأعمال عدائية مهما كلّفهم ذلك، تخلّى عن قرار الإعدام، إلاّ أن سلطات الاحتلال لم تفتر عن ملاحقة الأستاذ.

ولما سمع قواد حركة التحرير في الأناضول بتأثير هذه الرسالة في أوساط العامة والخاصة، وعن أعمال "بديع الزمان" ضد المحتلين في إسطنبول دَعَوه إلى "أنقرة" مرتين تقديراً لأعماله البطولية وخدماته الجليلة نحو الأمة والبلاد، إلاّ أن الأستاذ النورسي آثر البقاء في إسطنبول يجابه الأعداء مباشرة ورفض الدعوة قائلاً:

"إنني أريد أن أجاهد في أكثر الأماكن خطراً، وليس من وراء الخنادق، وأرى أن مكاني هنا أخطر من الأناضول".([5])

 

 

[1]() ففي 13/11/1919 دخلت خمس وخمسون سفينة حربية من أساطيل دول الحلفاء إلى إسطنبول حسب هدنة "موندروس" التي عقدت في 30/10/1918.. اثنتان وعشرون منها لإنكلترة.. واثنتا عشرة منها لفرنسا.. وسبع عشرة منها لإيطاليا.. وأربع منها لليونان.. ووجهت مدافعها نحو قصر الخليفة الذي أصبح في حكم الأسير في قصر "دولمه باغجه". واحتل الإنكليز إسطنبول في 18/3/1920.

[2]() جماعة الاتحاديين: هم جماعة الاتحاد والترقي الذين هرب قادتهم إلى الخارج بعد اندحار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى أمام قوات الحلفاء. أما جماعة "الائتلاف" فهم يمثلون تياراً سياسياً ظهر بعيد انتهاء الحرب وكانوا يؤيدون الإنكليز ويخاصمون الاتحاديين..

[3]() وهو من المجاهدين المسلمين آنذاك، ورأس تحرير مجلة "سبيل الرشاد" الإسلامية..

 

[4]() الشعاعات، الشعاع الرابع عشر. كانت هناك حكومتان: حكومة الخلافة في إسطنبول واقعة تحت احتلال دول الحلفاء ولاسيما إنكلترة وحكومة وطنية في أنقرة وعلى رأسها مصطفى كمال.

[5]() T. Hayat, ilk hayatı.

 

Ekranı Genişlet