التوفيقُ بين القدَرِ والجزءِ الاِختيارِيِّ

الأستاذ: منير توران

هذا المبحثُ بَحثٌ عِلْميٌّ دقيقٌ خاصٌّ للعلماءِ.( ) إذا قلتَ: كيف يُمكِنُ التوفيقُ بين القدَرِ والجزءِ الاِختيارِيِّ؟ الجواب: بسَبعةِ وجُوهٍ: الأوّل: إنّ العادِلَ الحكِيمَ الذي تَشهَدُ لحِكمَتِه وعدالتِه الكائناتُ كلُّها، بلسانِ الانتظامِ والميزانِ، قد أعطى للإنسانِ جزءًا اختِياريًّا مجهولَ الماهيَّةِ، ليكُونَ مدارَ ثوابٍ وعقابٍ؛ فكما أنّ للحكيمِ العادلِ حِكَمًا كثيرةً خفيّةً عنَّا، كذلك كيفيّةُ التوفيقِ بين القدَرِ والجزءِ الاختِياريِّ خافيةٌ علَينا، ولكنْ عدَمَ عِلْمِنا بكيفيّةِ التَّوفيقِ لا يدُلُّ على عدَمِ وجُودِه. الثاني: إنّ كلَّ إنسانٍ يشعرُ بالضرورةِ أنّ له إرادةً واختيارًا في نفسِه، فيَعرِفُ وجودَ ذلك الاختيارِ وِجدانًا؛ وإنَّ العِلمَ بماهيةِ الموجوداتِ شيءٌ والعِلمَ بوُجودِها شيءٌ آخَرُ، فكثيرٌ منَ الأشياءِ وُجودُها بَدِيهيٌّ لدينا إلّا أنّ ماهِيَتَها مجهولةٌ بالنسبةِ إلينا؛ فهذا الجزءُ الاختياريُّ يُمكِنُ أن يدخُلَ ضمنَ تلك السِّلسِلةِ، فلا يَنحصِرُ كلُّ شيءٍ في نِطاقِ مَعلُوماتِنا، وإنّ عدمَ عِلمِنا لا يدلُّ على عدمِه. الثالث: إنَّ الجزءَ الاختياريَّ لا يُنافي القدَرَ، بل القدَرُ يؤيِّدُ الجزءَ الاختياريَّ؛ لأنّ القدَرَ نَوعٌ من العِلمِ الإلهيِّ، وقد تعلّقَ العِلمُ الإلهيُّ باختيارِنا، ولهذا يؤيِّدُ الاختيارَ ولا يُبطِلُه.

https://www.nafizatalnoor.com/?q=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9...

التعليقات