الصوم وتلقي القرآن

الاستاذ : منير توران​

رسالةُ رَمَضان

النكتة السادسة

لقد بُحِثَت نُبذةٌ مختصرةٌ عن الشعائرِ الإسلاميةِ في خِتامِ القِسمِ الأوّلِ، لذا سَيُذكَرُ في هذا القِسم الثاني عَددٌ من الحِكَمِ التي تخصُّ صيامَ شهرِ رَمَضانَ المباركِ الذي هو أسطعُ الشعائرِ وأجلُّها. هذا البحثُ عبارةٌ عن تسعِ نِكاتٍ دقيقةٍ ومسائلَ لطيفةٍ تُبين تسعاً من الحِكمِ الكثيرةِ لصيامِ شَهرِ رَمضانَ المباركِ.

﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾ (البقرة: 185)

النكتةُ السادسةُ

إنَّ هناك حكماً وفيرةً لصيامِ رَمَضانَ المباركِ من حيثُ تَوجُّهُه إلى نُـزولِ القرآنِ الكريمِ ومن حيثُ إنَّ شهرَ رمضانَ هو أهمُّ زمانٍ لنُـزولِه، نُورِدُ حكمةً واحدةً منها وهي: لما كان القرآنُ الكريمُ قد نَـزلَ في شهرِ رمضانَ المباركِ فلابدَّ من التجرُّدِ عن الحاجياتِ الدنيئةِ للنفسِ، ونَبذِ سَفْسَافِ الأمورِ وتُرَّهاتِها استِعداداً للقيامِ باستِقبالِ ذلك الخِطابِ السماوِيِّ استِقبالاً طيِّباً يليقُ به، وذلك باستِحضارِ وَقتِ نُـزولِه في هذا الشهرِ والتَّشبُّهِ بحالاتٍ رُوحانيةٍ مَلائكيّةٍ؛ بتركِ الأكلِ والشُّـربِ، والقيامِ بتلاوةِ ذلك القرآنِ الكريمِ تلاوةً كأنَّ الآياتِ تَتَنـزّلُ مُجدَّداً ، والإصغاءِ إليه بهذا الشعورِ بخُشُوعٍ كاملٍ، والاستماعِ إلى ما فيه من الخطابِ الإلهيِّ للسُّمُوِّ إلى نَيلِ مَقامٍ رفيعٍ وحالةٍ رُوحيّةٍ ساميةٍ، كأنّ القارِئَ يَسمَعُه من الرسولِ الأكرمِ ﷺ، بل يَشُدُّ السَّمعَ إليه كأنه يَسمَعُه من جِبريلَ عليه السلامُ، بل مِنَ المتكلِّمِ الأزليِّ سبحانه وتعالى، ثم القيامُ بتَبليغِ القرآنِ الكريمِ وتلاوتِه للآخَرِين تِبياناً لحكمةٍ من حِكمِ نُـزُولِه. إنَّ العالَـمَ الإسلاميَّ في رَمضانَ المباركِ يَتَحوّلُ إلى ما يُشبِه المسجدَ، ويا لَهُ مِن مَسجدٍ عظيمٍ تَعُجُّ كلُّ زاويةٍ من زَواياه، بل كلُّ رُكنٍ من أركانه، بمَلايينِ الحُفَّاظِ للقرآنِ الكريمِ، يُرتِّلون ذلك الخطابَ السماويَّ على مَسامِع الأرْضِيِّينَ، ويُظهِرون بصُورةٍ رائعةٍ براقةٍ مِصداقَ الآيةِ الكريمةِ: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ ... ۚ﴾ (البقرة: 185) مُثبِتِين بذلك أنَّ شهرَ رَمضانَ هو حقًّا شهرُ القرآنِ، أمّا الأفرادُ الآخَرُون من تلك الجماعةِ العُظمَى فمِنهُم من يُلقي السَّمعَ إليهم بكلِّ خشوعٍ وهَيبةٍ، ومنهُم من يُرتِّلُ تلك الآياتِ الكريمةِ لنفسِه. ألا مَا أقبحَ ومَا أَزرَى الانسلاخَ من هذا المسجدِ المقدَّسِ الذي له هذا الوَضعُ الـمَهِيبُ، لَهاثاً وراءَ الأكلِ والشُّربِ تَبَعاً لهوى النفسِ الأمارةِ بالسُّوءِ! وكم يكُون ذلك الشخصُ هَدَفاً لاشمِئزازٍ مَعنويِّ مِنْ قِبَلِ جماعةِ المسجدِ؟ وهكذا الأمرُ في الذين يُـخالِفُون الصائمِين في رمضانَ المباركِ فيُصبِحُون هدفاً لازدِراءٍ وإهانةٍ مَعنوِيَّيـنِ -بتلك الدرجةِ- من قِبَل العالَـمِ الإسلاميِّ كلِّه.

 

التعليقات