رسالة القدر
الأستاذ: منير توران
إنّ القَدَرَ والجُزءَ الاختِياريَّ جُزءانِ من إيمانٍ حالِيٍّ ووِجْدانيٍّ، يُبيِّن نِهايةََ حُدودِ الإيمانِ والإسلام، ولَيسا مباحثَ عِلميّةً ونظريّةً، أي إنَّ المؤمِنَ يُعطِي لله كلَّ شيءٍ، ويُحِيلُ إليه كلَّ أمرٍ، وما يَزالُ هَكذا حتّى يُحِيلَ فعلَه ونفسَه إليه؛ ولِكَي لا يَنجُوَ في النهايةِ من التَّكليفِ والمسؤولِيّةِ يَبرُزُ أمامَه الجزءُ الاختيارِيُّ قائلًا له: «أنت مَسْؤولٌ، أنت مُكلَّفٌ»! ثم إنه لِكَي لا يَغترَّ بما صدَرَ عنه من حَسناتٍ وفضائلَ، يُواجِهُهُ القدَرُ، قائلًا له: «اعرِفْ حدَّك، فلَستَ أنتَ الفاعِلَ». أجل، إنّ القَدَرَ والجُزءَ الاختِياريَّ هُما في أَعلى مَراتِبِ الإيمانِ والإسلام، قد دَخَلا ضِمنَ المسائلِ الإيمانيّةِ، لأنّهما يُنقِذَانِ النفسَ الإنسانِيّةَ.. فالقَدَرُ يُنقِذُها مِن الغُرورِ، والجزءُ الاختِياريُّ يُنجِيها من الشُّعورِ بعَدَمِ المسؤوليّةِ؛ ولَيسا مِن المسائلِ العِلْميّةِ والنظَريّةِ التي تُفضِي إلى ما يُناقِضُ سرَّ القدَرِ وحِكمةَ الجزء الاختِياريِّ كلّيًّا؛ بالتَّشَبُّثِ بالقدَرِ للتَّبرئةِ من مَسؤوليةِ السَّيِّئاتِ التي اقتَرفَتها النفوسُ الأمّارةُ بالسُّوءِ، والافتِخارِ بالفضائلِ التي أُنعِمَتْ عليها والاغترارِ بها وإسنادِها إلى الجزءِ الاِختِياريِّ. أجل، إنّ العَوامَّ الذين لم يَبلُغُوا مرتبةَ إدراكِ سِرِّ القدَرِ لهم مَواضعُ لاستعمالِه، ولكنَّ هذه المواضعَ تنحصِـرُ في الماضِياتِ من الأمورِ وبخصُوصِ المصائبِ والبَلايا والذي هو عِلاجُ اليأسِ والحُـزن، وليس في أُمُورِ المعاصِي أو في المُقْبِلاتِ مِن الأيّامِ، فيكُونُ مُساعِدًا على اقتِرافِ الذُّنوبِ والتَّهاوُنِ في التكاليفِ، بمعنى أنّ مَسألةَ القدَرِ ليسَت للفِرارِ من التَّكليفِ والمسؤوليّةِ، بل لإنقاذِ الإنسانِ منَ الفَخرِ والغُرورِ، ولهذا دخَلَتْ ضمنَ مسائلِ الإيمان، أمَّا الجزءُ الاختِياريُّ، فقد دخَلَ ضِمنَ مباحثِ العقيدةِ ليكُونَ مرجِعًا للسَّيِّئاتِ، لا لِيكُونَ مَصدَرًا للمَحاسِنِ والفَضائلِ فيَنساقُ إلى الطُّغيانِ والتَّفرعُنِ.
https://www.nafizatalnoor.com/?q=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9...
التعليقات