رسالة لكل مريض لا تشتكي
الأستاذ: منير توران
الدَّواءُ الرَّابعُ
أيها المريضُ الشَّاكِي! اعلمْ أنَّه ليسَ لكَ حَقٌّ في الشَّكوى، بلْ عليكَ الشُّكرَ، عليكَ الصَّبرَ؛ لأنَّ وجودَكَ وأعضاءَك وأجهزتَك ليستْ بمُلكك أنتَ، فأنتَ لم تصنعْها بنفسِك، وأنتَ لم تبتعْها من أيَّةِ شركةٍ أو مَصنعٍ ابتِياعًا، فهيَ إذنْ ملكٌ لآخرَ، ومالكُ تلكَ الأشياءِ يتصرَّفُ في مُلكه كيفَ يشاءُ، كما ورَدَ ذلك في مِثالٍ في «الكلمةِ السَّادسةِ والعِشرين» الخاصَّةِ بالقَدَرِ وهُو: أنَّ صانِعًا ثَرِيًّا ماهِرًا يُكلِّفُ رجُلًا فقِيرًا لِقاءَ أُجرةٍ معيَّنةٍ ليقومَ له لِمُدَّةِ ساعةٍ بِدوْرِ «الموديل» النَّمُوذج، فَلِأجلِ إظهارِ صَنعتِه الجميلةِ وثَروتِه القيِّمةِ يُلبِسهُ القَميصَ المزرْكَشَ الذي حاكَه، والحُلَّةَ القَشيبةَ المُرصَّعةَ التي نسجَها في غايةِ الجمالِ والصَّنعةِ، ويُنجزُ عليه أعْمالًا ويُظهِرُ أوْضاعًا وأشْكالًا شَتَّى لِبيانِ خوارِقِ صنعتِه وبَدائعِ مَهارتِه، فَيقُصُّ ويُبدِّلُ، ويُطوِّل، ويُقصِّر، وهَكذا.. فَيا تُرى أَيَحُقُّ لذلك الفقيرِ الأجيرِ أنْ يقولَ لذلك الصانعِ الماهرِ: «إنَّك تُتعِبني وتُرهِقُني وتُضيِّق علَيَّ بطلبِك منِّي الانحناءَ مَرةً والاعتِدالَ أُخرى.. وإنك تُشوِّهُ الجمالَ المتألِّقَ على هذا القميصِ الذي يُجمِّلُ هِنْداميَ ويُزيِّنُ قامَتي بقصِّك وتقصِيرِك لَهُ.. إنَّك تظلِمُني ولا تُنْصِفُني؟». وكذلك الحالُ بالنِّسبةِ للصّانعِ الجليلِ سُبحانَه وتَعالى - ﴿ ولله المثلُ الأعلى﴾ - الذي ألْبَسَك أيها المريضُ قميصِ الجسَدِ، وأوْدعَ فيه الحواسَّ النُّورانيَّةَ المُرصَّعةَ كالعَينِ والأذُنِ والعقلِ، فلِأجلِ إظهارِ نُقوشِ أسمائِه الحُسنى، يُبدِّلكَ ضِمنَ حالاتٍ متنوِّعةٍ ويضعُك في أوضاعٍ مختلفةٍ، فكما أنكَ تتعرَّفُ على اسمِه «الرَّزَّاق» بتجرُّعِك مرارةَ الجوعِ، تتعرَّفُ على اسمِه «الشَّافي» بمرَضِك. ونظَرًا لظُهورِ قسمٍ من أحكامِ أسمائِه الحُسنى بالآلامِ وانكشافِه بالمصائِب، ففيها لَمَعاتُ الحِكمةِ وشُعاعاتُ الرَّحمةِ وأنوارُ الجمالِ، فإذا ما رُفِعَ الحجابُ فَستَجِدُ فيما وراءَ مرضِك الذي تسْتوحِشُ منه وتنفِرُ؛ مَعانيَ عميقةً جميلةً محبَّبةً ترتاحُ إليها، تلكَ التي كانتْ تنْزَوي خلفَ حِجابِ المرضِ.
https://www.nafizatalnoor.com/?q=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9...
التعليقات