رسالة لكل مريض لا تضجر

الأستاذ: منير توران

الدَّواءُ الثَّالِثُ

أيُّها المريضُ الضَّجور! إنَّ الإنسانَ لمْ يأتِ إلى هذِه الدُّنيا لِلتَّمتُّعِ والتّلذُّذِ، والشَّاهِدُ على ذلك: رَحِيلُ كُلِّ آتٍ، وتَشيُّبُ الشَّبابِ، وتدحرُجُ الجميعِ في دَوَّامةِ الزَّوالِ والفِراقِ، وبينا تَرى الإنسانَ أكملَ الأحياءِ وأسماها وأغْناها أجهزةً بلْ هو السيدُ عليها جميعًا، إذا به بالتَّفكُّر في لذَّاتِ الماضي وبلايا المُستقبل، يقضِي حياتَه في كدَرٍ ومشقَّةٍ هاويًا بنفسِهِ إلى درَكاتٍ أدنى من الحيَوانِ. فالإنسانُ إذنْ لم يأتِ إلى هذه الدَّنيا لقضاءِ عَيشٍ ناعمٍ جميلٍ مغمورٍ بنسَمات الرَّاحة والصَّفاءِ، بل جاء إلى هنا ليغنَمَ سعادةَ حياةٍ أبديَّةٍ دائمةٍ بما يُسِّرَ لهُ من سُبُلِ التَّجارة برأسِ مالِه العظيمِ الذي هو العمرُ، فإذا انعدَمَ المرضُ، وقعَ الإنسانُ في الغفلةِ نتيجةَ الصَّحةِ والعافيةِ، وبدَتِ الدُّنيا في عينَيْه حُلوةً خضِرةً لذيذةً، فيُصيبُه عندئذٍ مرضُ نِسيان الآخرةِ، فيرغَبُ عن ذِكر المَوتِ والقبرِ، ويُهدِر رأسَ مالِ عمرِه الثَّمينَ هَباءً مَنثورًا.. في حينِ أَنَّ المرضَ سُرعانَ ما يُوقِظه مُفتِّحًا عينَيْهِ، قائلًا له: «أنتَ لسْتَ خالِدًا ولسْتَ سائِبًا، بلْ أنتَ مُسخَّرٌ لوظيفةٍ، دَعْ عنكَ الغُرورَ، اُذكُرْ خالقَك.. واعلمْ بأنَّكَ ماضٍ إلى القبرِ، وهيِّئْ نفسَك وجهِّزْها هكَذا». فالمرَضُ إذنْ يقومُ بدَورِ مُرشدٍ ناصِحٍ أمين مُوقِظٍ، فلا داعيَ بعدُ إلى الشَّكوى مِنه، بلْ يجبُ التفيُّؤُ في ظِلالِ الشُّكرِ -من هذه الناحيةِ- وإذا ما اشتدَّتْ وطأتُهُ كَثيرًا فعليكَ بطلَبِ الصَّبْرِ منه تعالى.

https://www.nafizatalnoor.com/?q=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9...

التعليقات