لولا العلَّةُ لكانتِ العافيةُ بِلا ذَوقٍ

الأستاذ: منير توران

الدَّواءُ السَّابِع

أيُّها المريضُ الفاقِدُ لِنعمةِ الصِّحَّةِ! إنَّ مرضَكَ لا يُذهبُ بلَذَّةِ النعمةِ الإلهيَّةِ في الصَّحةِ بل على العَكْسِ، إنَّه يُذِيقكَ إيَّاها ويُطيِّبُها ويَزيدُها لَذَّةً، ذلك أنَّ شيئًا ما إذا دامَ واستَمرَّ على حالِه يُفقِد طعمَه وتأثيرهُ، حتى اتَّفقَ أهلُ الحقِّ على القولَ: «إنَّما الأشياءُ تُعرَفُ بأضْدادِها..» فمثلًا: لَولا الظَّلمةُ لَما عُرف النُّورُ ولَظلَّ دُونَ لذَّةٍ، ولَولا البُرودَةُ لَما عُرِفتِ الْحرارةُ ولَبَقِيتْ دونَ استِساغةٍ، ولَوْلا الجوعُ لَما أعْطَى الأكلُ لذَّتَه وطعمَهُ، ولولا حرارةُ المعِدةِ لما وَهَبَنا احتساءُ الماءِ ذوقًا، ولولا العلَّةُ لكانتِ العافيةُ بِلا ذَوقٍ، ولولا المرضُ لباتَتِ الصِّحةُ عديمةَ اللَّذَّةِ. إنَّ الفاطرَ الحكيمَ لمَّا أرادَ إشعارَ الإنسانِ وإحساسَه بمختلفِ إحساناتِه وإذاقتَه أنواعَ نِعَمِه سَوقًا منه إلى الشُّكرِ الدّائمِ، جهَّزَه بأجهزةٍ في غايةِ الكثرةِ لتُقبلَ على تَذوُّقِ تلك الآلافِ المؤلفةِ من أنواعِ النِّعم المختلفةِ، لِذا فلابُدَّ من أنه سيُنزلُ الأمراضَ والأسقامَ والعِللَ أيضًا مِثلما يُلطِفُ ويَرزُقُ بالصحّةِ والعافيةِ. وأسألُكَ: «لو لم يكنْ هذا المرضُ الذي أصابَ رأسَك أو يدَك أو معِدتَك.. هل كان بمقْدورِك أن تتحسَّسَ اللَّذةَ الكامنةَ في الصِّحة التي كانتْ باسطةً ظِلالَها على رأسِك أو يدِك أو معدتِك؟ وهل كنتَ تتمكَّنُ من أن تتذوَّقَ وتشكُرَ النعمةَ الإلهيةَ التي جسَّدتْها تلك النِّعمةُ؟ بل كان الغالبُ عليكَ النسيانَ بدلًا من الشُّكرِ، أو لكنتَ تصرفُ تلك الصحةَ بطُغيانِ الغفلةِ إلى سَفاهةٍ دُونَ شعورٍ!».

التعليقات