انجُ بنفسك
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
كنت قد خاطبتُ نفسي قائلاً: اعلم ايها السعيد الغافل! انه لا يليق بك ان تربط قلبك وتعلقه بما لا يرافقك بعد فناء هذا العالم، بل يُفارقُك بخراب الدنيا! فليس من العقل في شيء ربطُ القلب بأشياء فَانية!
فكبف بما يتركك بانقراض عصرك ويدير ظهره لك؟
بل فكيف بما لا يصاحبك في سَفر البرزخ؟
بل فكيف بما لا يشيعك الى باب القبر؟
بل فكيف بما يفارقك خلال سنة او سنتين فراقاً ابدياً، مُورّثِاً اِثمَه ذمتَك، محملاً خطاياه على ظهرك؟
بل فكيف بما يتركك على رغمك في آنِ سرورك بحصوله؟
فان كنت فطناً فلا تهتم ولا تغتم، واترك ما لا يقتدر ان يرافقك في سفر الابد والخلود، بل يضمحل ويفنى تحت مصادمات الدنيا وانقلاباتها، وتحت تطورات البرزخ، وتحت انفلاقات الآخرة.
ألا ترى ان فيك لطيفةً لا ترضى الاّ بالأبد والأبدي، ولاتتوجه الاّ الى ذلك الخالد، ولاتتنزل لما سواه؟ حتى اذا ما اُعطيت لها الدنيا كُلها، فلا تُطَمأن تلك الحاجة الفطرية.. تلك هي سلطان لطائفك ومشاعرك.. فأطع سلطان لطائفك المطيع لأمر فاطره الحكيم جلّ جلاله، وانجُ بنفسك..(*)
____________
(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:174