في منفى بارلا إطلاق إسم (رسائل النور)
في منفى بارلا
إطلاق إسم (رسائل النور)
أخذتني الأقدار نفياً من مدينة إلى أخرى.. وفي هذه الأثناء تولدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم.. أمليتها على مَن حولي من الأشخاص، تلك الرسائل التي أطلقت عليها إسم (رسائل النور) انها انبعثت حقاً من نور القرآن الكريم. لذا نبع هذا الاسم من صميم وجداني، فأنا على قناعة تامة ويقين جازم بان هذه الرسائل ليست مما مضغته أفكاري وانما إلهام إلهي افاضه الله سبحانه على قلبي من نور القرآن الكريم، فباركت كل من استنسخها، لأنني على يقين ان لا سبيل إلى حفظ إيمان الآخرين غير هذه السبيل فلا تمنع تلك الفيوضات عن المحتاجين إليها. وهكذا تلقفتها الأيدي الأمينة بالاستنساخ والنشر، فأيقنت ان هذا تسخير رباني وسَوق إلهي لحفظ إيمان المسلمين فلا يستطيع أحد ان يمنع ذلك التسخير والسوق الإلهي، فاستشعرت بضرورة تشجيع كل مَن يعمل في هذه السبيل امتثالاً بما يأمرني به ديني.(1)
ان سبب إطلاق اسم (رسائل النور) على مجموع الكلمات (وهي ثلاث وثلاثون كلمة) و المكتوبات (وهي ثلاثة وثلاثون مكتوباً) و اللمعات (وهي إحدى وثلاثون لمعة) و الشعاعات (وهي ثلاثة عشر شعاعاً) هو:
ان كلمة النور قد جابهتني في كل مكان طوال حياتي، منها:
قريتي اسمها: نورس.
اسم والدتي المرحومة: نورية.
و استاذي في الطريقة النقشبندية: سيد نور محمد.
وأستاذي في الطريقة القادرية: نور الدين.
وأستاذي في القرآن: نوري.
واكثر من يلازمني من طلابي من يسمّون باسم نور .
واكثر ما يوضح كتبي وينورها هو التمثيلات النورية.
وأول آية كريمة إلتمعت لعقلي وقلبي وشغلت فكري هي﴿الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوة... ﴾(النور: 35)
واكثر ما حل مشكلاتي في الحقائق الإلهية هو: اسم (النور) من الأسماء الحسنى.
ولشدة شوقي نحو القرآن وانحصار خدمتي فيه فان إمامي الخاص هو سيدنا عثمان ذو النورين رضي الله عنه.(2)
عنايات إلهية وكرامات قرآنية:
يا اخوة الآخرة ويا طالبيّ المجدّين السيد خسرو(3) والسيد رأفت!(4) كنا نشعر بثلاث كرامات قرآنية في مجموعة (الكلمات) التي هي من فيوضات أنوار القرآن. بيد أنكم بهمتكم وسعيكم وشوقكم قد أضفتم عليها ايضاً كرامة أخرى رابعة. أما الثلاث المعروفة فهي:
اولاً: السهولة والسرعة فوق المعتاد في تأليفها، حتى أن المكتوب التاسع عشر(المعجزات الاحمدية) المتكون من خمسة أقسام ألف في حوالي ثلاثة ايام خلال ما يقرب من أربع ساعات يومياً أي بمجموع اثنتي عشرة ساعة وفي شعب الجبال وخلال البساتين دون ان يكون هناك كتاب نرجع إليه. و الكلمة الثلاثون (رسالة أنا) ألّفت في وقت المرض خلال خمس أو ست ساعات. و الكلمة الثامنة والعشرون وهي (مبحث الجنة) الّفت خلال ساعة او ساعتين في بستان سليمان بالوادي.
حتى تحيرنا أنا وتوفيق(5) وسليمان لهذه السرعة..كما في تأليفها هذه الكرامة القرآنية كذلك..
ثانياً: في كتابتها سهولة فوق المعتاد، وشوق عارم، مع عدم السأم والملل. علماً أن هناك اسباباً كثيرة تورث السأم للأرواح والعقول في هذا الزمان. ولكن ما ان تؤلف إحدى (الكلمات) إذ تستنسخ في أماكن كثيرة وتُقدّم على كثير من المشاغل المهمة.. وهكذا.
الكرامة القرآنية الثالثة: ان قراءتها ايضاً لا تورث السأم ولاسيما إذا ما استشعرت الحاجة إليها. بل كلما قُرئت زاد الذوق والشوق ولا يُسأم منها.
وانتم كذلك يا اخويّ قد أثبتما كرامة قرآنية رابعة، فأخونا خسرو الذي يطلق على نفسه الكسلان، وتقاعس عن الكتابة مذ أن سمع بـ(الكلمات) قبل خمس سنوات فان كتابته خلال شهر واحد لأربعة عشر كتاباً كتابة جميلة متقنة كرامة للأسرار القرآنية لا شك فيها ولاسيما المكتوب الثالث والثلاثون وهي رسالة (النوافذ) التي قدّرت حق قدرها حيث كتبت اجمل أجود كتابة. نعم ان تلك الرسالة رسالة قوية وساطعة في معرفة الله والإيمان به الا ان النوافذ الأولى التي في مستهل الرسالة مجملة جداً ومختصرة، علماً انها تتوضح تدريجياً وتسطع.. حيث ان مقدمات معظم الكلمات، تبدأ مجملة ثم تتوضح تدريجياً وتتنور بخلاف سائر المؤلفات.(6)(*)
____________________________
(1) الشعاعات/542
(2) الملاحق - بارلا/71
(3) خسـرو: كان في مقدمة الذين استنسخوا المئات من الرسائل ونشروها في احلك الظروف، وقضى معظم حياته مع استاذه في سجون اسكي شهر ودنزلي وآفيون وهو الذي كتب مصحفاً بتوجيه من الأستاذ النورسي لاظهار الاعجاز في التوافقات اللطيفة لاسم الجلالة في الصفحة الواحدة. ولد في اسپارطة سنة 1899 وتوفي في استانبول سنة 1977م رحمه الله رحمة واسعة.
(4) هو العقيد المتقاعد رأفت بارودجي (1886 - 1975) لازم الأستاذ النورسي في (بارلا) وسجن معه في كل من سجن اسكى شهر (سنة 1935) ودنزلى (1943) وآفيون (1948) كان يتقن تعليم القرآن الكريم واصبح اماماً في مسجد باستانبول لحين وفاته رحمه الله رحمة واسعة
(5) الحافظ توفيق الشامي: (1887 - 1965م) من اوائل طلاب النور وكتابها، لقب بالحافظ لحفظه القرآن الكريم وبالشامي لطول بقائه بالشام بصحبة والده الذي كان ضابطاً هناك، وهو المشهود له بالصلاح والعلم والتقوى، لازمَ الأستاذ في (بارلا) وفي سجون اسكي شهر ودنيزلي. تغمده الله برحمته.
(6) المكتوبات/463
(*)كليات رسائل النور – سيرة ذاتية ص:235