القطعة الثانية

من

 

شَمَّة

من نسيم هداية القرآن

 

 

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

فسبحان اللّٰه ما أرقّ الحجابَ بين المُلك والملكوت، وما أعظمَ المسافة بينهما! وما أقصرَ الطريقَ بين الدنيا والآخرة وما أطولَها! وما ألطفَ الحجابَ بين العلم والجهل وما أغلظَه! وما أشفَّ البرزخَ بين الإيمان والكفر وما أكثفَه! وما أقصرَ المسافة بين العبادة والمعصية مع أن ما بينهما كما بين الجنة والنار! وما أقصرَ الحياة وما أطولَ الأمل!

فكما أن بين الأمس واليوم حجاباً رقيقاً لا يمنع من مرور الروح ونفوذِه إلى الأمس والماضي، وأن ذلك الحجابَ بالنسبة إلى الجسد مسافة سنة أو الأبد.. كذلك بين الملك والملكوت، والدنيا والآخرة حجابٌ رقيق شفاف لأهل القلب والروح، وغليظ كثيف غايةَ الكثافة لأهل النفس والهواء الجسماني.

وكما أن بين نهارك وليلك برزخاً لطيفاً، هو جفنك، فإذا فتحتَ عينَ نفسك زال ليلُك وانجلى نهارُك. وإن نسيت نفسَك فعميتَ دام عليك ليلُك سرمداً.. كذلك من نظر بحسابه تعالى إلى الكائنات صار كلّ ما شاهده علماً. وإذا نظر بالغفلة وبحساب الأسباب صار كلّ ما يظنه علماً، جهلاً محضاً.

وكما أن بين تنوّر "آيا صوفيا" وشدة ظلماته في الليل زماناً بمقدار تحريك الإصبعين لمفتاح "الألكتريق"، وفي فضاء العالم بالتهاب البرق وانطفائه في آن، واستضاءة الدنيا وظلماتِها بالسحاب الأسود وانكشافِه عن وجه الشمس بهبوب نسيم الرحمة دفعة.. كذلك من نظر بنور الإيمان والتوحيد يرى العالم مملوءاً نوراً، وأنسيةً وتحبباً وتودداً، وأجزاء الكائنات أودّاء إخواناً أحياءً مؤنسين. وأما إذا نظر بالكفر يرى أجزاء العالم أعداءَ وأجانبَ أمواتاً موحشين ويرى العالم ظلماتٍ بعضها فوق بعض وهو في بحر مصطلم مظلم يغشاه موجٌ من فوقه موج إذا أخرج يدَه لم يكد يراها.

وكما أن ما بين وجهَي المرآة أرق من الورق، مع أن بينهما من الفرق كما بين الغرب والشرق، ثم تبدل الوجهين بأن تضحك في وجهك أو تعبس؛ يحصل بتحريك الإصبعين لها([1]).. كذلك لأفعال البشر وجهان؛ فبتعلُّق النية بها لوجه اللّٰه تنقلب وتريك وجهاً شفافاً معكساً يسَع في عمقه المثالي ما لا يحدّ من التجليات، وبفقدان النية أو النية لغير وجه اللّٰه يظهر الوجه الجامد أو الأسودَ السطحي الذي لا يُغني من الحق شيئاً .

وكما أن الوجه الأسود الملون من المرآة لا يسع في عمقه شيئاً وفي عرضه، إنما يسع بمقدار جِرمه الصغير وأما الوجه الشفاف؛ فلإتصاله بالبرزخ والمثال المطلق يسع ما لا يحد ولا يضيق عمقه من أعظم الأشياء .. كذلك الحياةُ لها وجهان: وجهٌ إلى الدنيا أسود ضيق فانٍ، ووجهٌ إلى الحق شفاف واسعٌ دائمي، فالنفس الغافلة بقبول مغلطة الشيطان تلبس الوجهَ الأسود وتُظهر أحكامَ الوجه الأشف، بطول الأمل وطلب الأبد.

اعلم أن مفتاحَ العالم في يد الإنسان وفي نفسه، فالكائنات مع أنها مفتّحةُ الأبواب منغلقة([2])، فالحق سبحانه أودع من جهة الأمانة([3]) في الإنسان مفتاحاً يفتح به كلَّ أبواب العالم، وطلسماً يفتح به كنـزَ خلاّق الكون. والمفتاحُ ما فيك من «أنا». إلاّ أن «أنا» أيضاً معمّى مغلق، ومُطلسَم منغلق، فإذا فتحتَ «أنا» بمعرفةِ ماهيته الموهومة انفتح لك الكائنات.

نعم، إن اللّٰه جلّ جلاله أعطى ليد الإنسان «أنا» ليصيِّره واحداً قياسياً -بالفرض والتوهّم لا بالعلم والتحقق- لفهم أوصاف الربوبية.

فالإنسان إذا عرف «أنا» ما هو؛ بأن رآه شعرةً شعورية في حبل وجود الإنسان، وخيطاً رقيقاً في ثوب ماهية البشر، وألفاً في كتاب الشخص؛ له وجهان: وجه إلى الخير، فَبه قابلٌ للفيض فقط لا فاعل. ووجهٌ إلى الشر والعدم وبه فاعل، وماهيته موهومة، وربوبيته مخيّلة، ووجوده أضعف من أن يتحمل شيئاً بالذات.. بل إنما هو كميزان الحرارة وأمثاله من الموازين التي يُعرَف بها مقادير الأشياء. فـ «أنا» أيضاً ميزان يُعرَف به الصفات المحيطة المطلقة للواجب الوجود.. وأذعَنَ ([4]) دخل تحت: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ (الشمس: 9) وأدى الأمانة بحقها.

فإذا تأمّلتَ في «أنا» بالمعنى الحرفي، صار لك عيناً تفهّمتَ ورأيت به كل ما في الكون، لأنه إذا جاءت المعلومات الآفاقية صادفتْ في «أنا» ما يصدّقها. فإذا فهمتها انتهت وظيفةُ «أنا» وربوبيتُه الموهومة ومالكيتُه المفروضة. فليرجع «أنا» من السّمَكَتية إلى الحبابية ([5]).. وأما إذا نظرت إلى «أنا» بالمعنى الاسمي واعتقدتَه مالكاً، وخُنت في الأمانة دخلت تحت: ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾(الشمس: 10) إذ الأمانة التي تدهشتْ من حملها السماوات والأرض والجبال هي «أنا» من هذه الجهة، إذ منها يتولد الشرك والشرور والضلالات، إذ إذا تستَّر «أنا» عنك غلُظَ، حتى صار حبلاً بلع وجودَك فصار كُلُّك أنا. ثم استغلظ بأنانية النوع والاستناد به فيصير شيطاناً يبارز أمرَ صانعه. ثم يقيس الناسَ، ثم الأسباب على نفسه فيقع في شرك عظيم.. ففي هذا الوجه لو أرسلتَ عينك وفتحت كل الآفاق انغلق في وجهك، برجوع عينك إلى نفسك؛ إذ ترى كلَّ شيء بلون ما في نفسك من «أنا». ولونُه في ذاته –في هذا الوجه– الشرك والتعطيل، ولو مُلئت الآفاقُ آياتٍ باهرةً، وبقي في «أنا» نقطةٌ مظلمة طمَّت على الآيات .

مسألة مهمة : وهي أن «أنا» له وجهان: وجه أخذته النبوة، ووجه أخذته الفلسفة.

فالوجه الأول: منشأ العبودية المحضة؛ ماهيتُه حرفية، ووجودُه تبعي، ومالكيتُه وهميّة، وحقيقتُه فرضية، ووظيفتُه؛ صيرورتُه ميزاناً ومقياساً لفهم صفات الخالق. فالأنبياء هكذا نظروا إلى «أنا» فسلَّموا المُلكَ كلَّه للّٰه. وحكموا بأنه لا شريك له لا في مُلكه ولا في ربوبيته ولا في أُلوهيته، وبِيَدِهِ مَقَاليدُ كُلّ شيء وَهُوَ عَلى كُلّ شيء قَديرٍ. ومن هذا الوجه الشفاف الحي أَنبت الرحيم جلّ جلاله شجرة طوبى العبودية فأثمرت أغصانُها المباركة في حديقة الكائنات، دانية قطوفها، متدلية ثمرات الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين المتلألئين كالنجوم في الظلمات.

وأما الفلسفة فنظرت إلى «أنا» بالمعنى الاسمي دون الحرفي، وبالوجود الأصلي دون التبعي، وزعموه مالكاً بالحقيقة، وظنوه حقيقة ثابتة، وتوهموا وظيفته تكمُّل ذاته بحب ذاته. فمن هنا تشعبت أنواعُ الشرك، وعلى رأس «أنا» تنبتتْ شجرةُ زقوم الضلالة. فمن غصن «القوة البهيمية» أثمرت في أنظار البشر باستحسان القوة الظالمة والحسن المرائي أصناماً عابدةً من جهة، ومعبودةً من جهة.. ومن غصن «القوة الغضبية» أثمرت على رؤوس البشر نمارد وفراعين.. ومن «القوة العقلية» أثمرت في عقول البشر الدهريين والماديين، وفلاسفة يعطون للواجب واحداً، ويقسِّمون سائرَ مُلكه على غيره تعالى.. وأن «أنا» في ذاته كأنه كان هواء وبخاراً، لكن بسبب شؤم نظرهم تميّع، ثم بالألفة تصلّب، ثم بالغفلة تجمّد، ثم بالعصيان تكدّر فاستغلظ حتى ابتلع صاحبَه. وتوسَّع بأفكار النوع، ثم قاسَ الناسَ والأسباب على نفسه فصار مبارزاً لأوامر خالقه. فمن هنا اضطر بعضُ الفلاسفة إلى تأثير الأسباب ([6])، وإيجاد الطبيعة، والتصادف، ونفي الحشر، وقِدَم الأرواح وأمثالِها من ضلالاتهم ﴿قَاتَلَهُمُ اللّٰه أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(التوبة: 30) اختطفتهم الشياطينُ بمنقار «أنا» وأنابيبه ومخاليبه.

فـ«أنا» في العالم الصغير كالطبيعة في العالم الكبير، كلاهما من الطواغيت. ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّٰه فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّٰه سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(البقرة: 256).

اعلم أن حياة الحسنات بالنية، وفسادَها بالرؤية والرياء والإراءة. وعرقَ الوجدانيات المشعورة بالذات تنقطع بالنية وبشعور ثانوي([7])، كما أن النية حياةُ الأعمال، كذلك النية موتُ الأحوال بجهةٍ.([8])

مثلا: نية المتواضع تفسده، ونيّة التكبر تزيله، ونيّة الفرح تطيّره، ونيّة الغم تهوّنه وقس.([9])

اعلم أن الشجرة بل كل ما فيه قانونُ التكامل، لابد أن تنبت على نواة تربّت في بطن ثمرة من مثل تلك الشجرة. فإن لم تُسْبَقْ بغيرها كشجرة العالَم، فلابد لها من نواة عريانة ما تجسدت بالثمرة بعدُ. ثم حقُّها من العناية الأزلية أن تلبس أيضاً ثمرةً من ثمرة الشجرة التي تنبّتت عليها، فلابد أن تكون تلك الثمرة التي تجسدت النواةُ بها، أعظمَ وأكرمَ وألطف وأشرف وأعلى وأجلَّ. فالكائنات شجرةٌ، والعناصر أغصانُها، والنباتات أوراقها، والحيوانات أزاهيرها، والأناسي ثمراتها. وأضوأُ ثمراتها وأنورُها وأولاها وأجلاها وأحسنُها وأزيَنُها وأعظمها وأكرمها وأشرفها وألطفها وأجمعُها وأنفعها هو محمد «عليه الصلاة والسلام» سيدُ المرسلين وإمام المتقين وحبيب رب العالمين. صاحبُ المعراج وما زاغ البصر، ومَن انشق له القمر، وكلَّمه الضبُّ والظبي والذئب والجذع والذّراع والجمل والجبل والحجر والمدَر والشجر، ونبعَ الماء من بين أصابعه كالكوثر، أفضلُ الخلائق الإنسانية، ومجمعُ الحقائق الإيمانية، وطور التجليات الإحسانية، ومهبط الأسرار الرحمانية، وقائد ركب الأنبياء والصديقين، وأفضل الخلق أجمعين، حاملُ لواء العِزّ الأعلى بالتوحيد، ومالك أزمّة المجد الأسنى بالإسلام، شاهد أسرار الأزل، ومشاهد أنوار السوابق الأُول، وترجمان لسان القِدم، ومنبع العلم والحلم والحِكم المتحقق بأعلى رتب العبودية، والمتخلق بأخلاق المقامات الاصطفائية. الخليل الأعظم والحبيب الأكرم عليه أفضل الصلوات وأزكى التحيات وأنمى البركات ما دامت الأرض والسماوات.

 

 

 [ خذ بيدي يا سيد المرسلين

فأنت الأمل يا نور كرم اللّٰه المبين

لا انتماء لي إلا إليك يا سيدي

وأنطقُ دليلي: لا إله إلاّ اللّٰه محمد رسول اللّٰه ]

إلهي ! أُحب وأتمنى أن يكون لي أُلوفٌ من الألسنة مستغفرة عني إلى قيام الساعة. فاجعل يا إلهي! نُسَخَ رسالتي هذه بدلاً عني أَلسنة لي، مستغفرين ومصلين على النبي بدلاً عني مادام القلم وما يسطرون..

إلهِي، الذُّنُوبُ أخْرَسَتْني، وَكَثْرَةُ المَعَاصِي أخْجَلَتْنِي، وَشِدَّةُ الغَفْلَةِ أخْفَتَتْ صَوتِي، فَأدُقُّ بَابَ رَحْمَتِكَ، وأُنَادِى في بَابِ مَغْفِرَتِكَ بِصَوتِ سَيّدِي وَسَنَدِي الشَّيخ عَبْدِ القَادِرِ الكيْلانِي وَنِدائِهِ المَقبُولِ المَأنُوسِ عِنْدَ البَوَّابِ.

بِيَا مَنْ وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَيَا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلَّ شَيءٍ، وَيَا مَنْ لاَ يَضُرُّهُ شَيءٌ، وَلاَ يَنْفَعُهُ شَيءٌ، وَلاَ يَغْلِبُهُ شَيءٌ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْهُ شَيءٌ، وَلاَ يَؤُودُهُ شَيءٌ، وَلاَ يَسْتَعينُ بشَيءٍ، وَلاَ يُشغِلُهُ شَيءٌ عَنْ شَيءٍ، وَلاَ يُشْبِهُهُ شَيءٌ، وَلا يُعجِزُهُ شَيءٌ، اغْفِر لِي كُلَّ شَيءٍ حَتَّى لاَ تَسْألَنِي مِنْ شَيءٍ. يَا مَنْ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَةِ كُلِّ شَيءٍ، وَبِيَدِهِ مَقَاليدُ كُلِّ شَيءٍ. وَيَا مَنْ هُوَ الأوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ، وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ شيءٍ، وَالظَّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ، وَالبَاطِنُ دُونَ كُلِّ شيءٍ، وَالقَاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ، اغْفِر لِي كُلَّ شَيءٍ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ. وَيَا عَليماً بِكُلِّ شَيءٍ، وَمُحيطاً بِكُلِّ شَيءٍ، وَبَصيراً بِكُلِّ شَيءٍ. وَيَا شَهيداً عَلى كُلِّ شَيءٍ، وَرَقيباً عَلى كُلِّ شَيءٍ، وَلَطيفَاً بِكُلِّ شَيءٍ، وَخَبيراً بِكُلِّ شَيءٍ، اغْفِر لِي كُلَّ شَيءٍ مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطيئَاتِ حَتّى لاَ تَسْألَني عَنْ شَيءٍ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ،

اَللَّهُمَّ إنَّي أعُوذُ بِعِزَّةِ جَلاَلِكَ وَبِجَلالِ عِزَّتِكَ وَبِقُدرَةِ سُلْطَانِكَ وَبِسُلطانِ قُدْرَتِكَ مِنَ القَطيعةِ وَالأهواءِ الرَّديَّةِ، يَا جَارَ المُستَجيرينَ أجِرْنِي مِنَ الشَّهَواتِ الشَّيطَانِيَّةِ وَطَهِّرنِي مِنَ القَاذُوراتِ البَشَرِيَّةِ وَصَفِّنِي بِحُبِّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ r بِالمَحَبَّةِ الصًّدّيقِيَّةِ مِنْ صَدَإِ الغَفلَةِ وَأوهَامِ الجَهْلِ حَتّى تَفنَى الأنَانِيَّةُ وَيَبقى الكُلُّ للّٰه وَبِاللّٰه وَإلى اللّٰه وَمِنَ اللّٰه غَرقاً بِنِعْمَةِ اللّٰه في بَحْرِ مِنَّةِ اللّٰه مَنْصُورينَ بِسَيفِ اللّٰه مَحْظُوظينَ بِعِنَايَةِ اللّٰه مَحفُوظينَ بِحِمَايَةِ اللّٰه عَنْ كُلِّ شَاغِلٍ يُشْغِلُ عَنِ اللّٰه. فَيَا نُورَ الأنْوَارِ، وَيَا عَالِمَ الأسْرَارِ، وَيَا مُدَبِّرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَا مَلِكُ، يَا عَزيزُ، يَا قَهَّارُ، يَا رَحيمُ، يَا وَدُودُ، يَا غَفَّارُ، يَا عَلاّمَ الغُيوُبِ، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأبْصَارِ، يَا سَتَّارَ العُيوبِ، يَا غَفَّارَ الذُنُوبِ، اغْفِر لِي ذُنُوبِي، وَارْحَمْ مَنْ ضَاقَتْ عَلَيهِ الأسْبَابُ، وَغُلِّقَتْ دُونَهُ الأبوَابُ، وَتَعَسَّرَ عَليهِ سُلُوكُ طَريقِ أهْلِ الصَّوَابِ، وَانْصَرَمَتْ أيَّامُهُ وَنَفْسُهُ رَاتِعَةٌ في مَيادينِ الغَفلَةِ وَالمَعصِيَّةِ وَدَنِيّ الاِكتِسَابِ، فَيَا مَنْ إذا دُعِيَ أجَابَ وَيَا سَريعَ الحِسَابِ، وَيَا كَريمُ يَا وَهّابُ ارْحَمْ مَنْ عَظُمَ مَرَضُهُ وَعَزَّ شِفاؤهُ، وَضَعُفَتْ حيلَتُهُ وَقَوِيَ بَلاؤهُ وَأنْتَ مَلْجَؤهُ وَرَجاؤهُ، إلَهي إلَيْكَ أرْفَعُ بَثّي وَحُزني وَشِكَايَتِي. إلهي حُجَّتِي حَاجَتِي، وَعُدَّتِي فَاقَتِي وَانْقِطاعُ حِيلَتِي، إلهي قَطرَةٌ مِنْ بِحَارِ جُودِكَ تُغنيني، وَذَرَّةٌ مِنْ تَيَّارِ عَفْوِكَ تَكفينِي، يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ يَا وَدُودُ يَا ذا العَرشِ المَجيدِ يَا مُبدِئُ يَا مُعيدُ يَا فَعّالاً لمِاَ يُريدُ. أسْألُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الّذي مَلأَ أركَانَ عَرشِكَ وَأسْئَلُكَ بِقُدرَتِكَ الّتي قَدَرْتَ بِهَا عَلى جَميعِ خَلقِكَ وَبِرَحْمَتِكَ الّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ لا إلَهَ إلاَّ أنْتَ يَا مُغيثُ أغِثنَا واغْفِرْ جَميعَ ذُنُوبِي وَسَقَطَاتِ لِسَانِي في جَميعِ عُمري بِرَحْمَتِكَ يَا أرحَمَ الرَّاحِمينَ آمينَ وَالحَمْدُ للّٰه رَبِّ العَالمَينَ

 آمين.. آمين.. آمين..

 

«يا من يقرأ هذا الاستغفار أولاً لنفسك، فأقرأه ثانياً: بدلاً عني في سبيل اللّٰه.. فإني في قبري ساكن، ولساني ساكت ناطق بكتابي مستعيراً لسانك فأنطق بحسابي أيضاً حسبةً للّٰه...».

 

سعيد النورسي

 

([1])  المقصود: نوع من المرايا ذات الوجهين.

([2])  أي: مع أنها مفتحة الأبواب ظاهرا إلاّ أنها منغلقة حقيقة.

([3])  إشارة إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ...﴾ (الأحزاب:72) .

([4])  أي: عرف الإنسان كل ما ذكر عن ماهية «أنا» وأذعن..

([5])  من الوجود الحقيقي إلى الوجود الموهوم.

([6])  أي: إلى الاعتقاد بتأثير الأسباب.

([7])  إن أساس الوجدانيات التي تستشعر بالذات شعوراً فطرياً ، ينقطع بشعور ثانٍ ونية (ت: 183).

([8])  المقصود: الأحوال الفطرية (ت: 183)

([9])  أي: إن نية التواضع بتصنع وبشعور ثانوي تفسد التواضع الفطري ، وكذا نية التكبر بشعور ثانوي تزيل عزة النفس والوقار الفطري.

« Önceki Sayfa  | | Sonraki Sayfa »
Ekranı Genişlet