إننا كثيراً ما ندعو الله فلا يُستجابُ لنا

 

قال الله تعالى: [قُلْ مَا يَعْبَؤا بكُم ربّي لَولا دُعَاؤكُمي](1)

        وقال : [اُدْعوني أستَجِبْ لكُم] (2)

السؤال :

إننا كثيراً ما ندعو الله فلا يُستجابُ لنا رغم ان الآية عامةٌ تُصرّح بأنّ كل دعاءٍ مستجابٌ؟

الجواب:

ان إستجابةَ الدعاء شئ، وقبولَه شئ آخر. فكلُّ دعاءٍ مستجابٌ، الاّ أن قبولَه وتنفيذَ المطلوب نفسه منوطٌ بحكمة الله سبحانه.

فمثل:يستصرخ طفلٌ عليل الطبيبَ قائلاً:

"أيها الطبيب انظر اليّ واكشف عني".

فيقول الطبيب: "أمرُك يا صغيري". فيقول الطفل:

"اعطني هذا الدواء". فالطبيب حينذاك إمّا انه يُعطيه الدواء نفسَه، أو يعطيه دواءً أكثر نفعاً وأفضل له، أو يمنع عنه العلاجَ نهائياً. وذلك حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحةُ.

وكذلك الحق تبارك وتعالى (وله المثل الاعلى) فلأنه حكيمٌ مطلقٌ ورقيبٌ حسيب في كل آن، فهو سبحانه يستجيب دعاءَ العبد، وباستجابته يُزيل وحشَته القاتمةَ وغربته الرهيبة، مُبدلاً إياها أملاً واُنساً وإطمئناناً. وهو سبحانه إما أنه يَقبل مَطلبَ العبد ويستجيب لدعائه نفسه مباشرة، أو يمنحه أفضل منه، أو يردّه، وذلك حسب اقتضاء الحكمة الربانية، لا حسبَ أهواء العبد المتحكمة وأمانيّه الفاسدة.

وكذا، فالدعاء هو ضربٌ من العبودية، وثمار العبادة وفوائدُها أخرويةٌ. أما المقاصدُ الدنيوية فهي "أوقاتُ" ذلك النوع من الدعاء والعبادة، وليست غاياتها.

فمثل:صلاةُ الاستسقاء نوعٌ من العبادة، وانقطاع المطر هو وقتُ تلك العبادة. فليست تلك العبادةُ وذلك الدعاء لأجل نزولِ المطر. فلو اُدّيَتْ تلك العبادةُ لأجل هذه النية وحدَها اذن لكانت غير حريّة بالقبول، حيث لم تكن خالصةً لوجه الله تعالى..

وكذا وقتُ غروبِ الشمس هو اعلانٌ عن صلاة المغرب، ووقتُ كسوف الشمس وخسوف القمر هو وقتُ صلاةِ الكسوف والخسوف. أي أن الله سبحانه يدعو عبادَه الى نوعٍ من العبادة لمناسبة انكساف آية النهار وانخساف آية الليل اللتين تومئان وتُعلنان عظمتَهُ سبحانه. والاّ فليست هذه العبادة لإنجلاء الشمس والقمر الذي هو معلومٌ عند الفلكي..

فكما ان الأمر في هذا هكذا فكذلك وقتُ انحباس المطر هو وقتُ صلاةِ الاستسقاء، وتهافتُ البلايا وتسلطُ الشرور والأشياء المضرة هو وقتُ بعض الادعية الخاصة، حيث يدرك الانسانُ حينئذٍ عجزَه وفقرَه فيلوذ بالدعاء والتضرع الى باب القدير المطلق. واذا لم يدفع الله سبحانه تلك البلايا والمصائب والشرور مع الدعاء الملحّ، فلا يقالُ:إن الدعاءَ لم يُستجبْ، بل يقال: إن وقت الدعاء لم ينقضِ بعدُ. وإذا ما رفع سبحانه بفضله وكرمه تلك البلايا وكشف الغمة فقد انتهى وقتُ الدعاء اذن وانقضى. وبهذا فالدعاء سرٌ من أسرار العبودية.

والعبودية لابد أن تكون خالصةً لوجه الله، بأن يأوي الانسانُ الى ربَّه بالدعاء مُظهراً عجزَه، مع عدم التدخل في اجراءات ربوبيته، أو الاعتراضِ عليها، وتسليمُ الأمر والتدبير كلّه اليه وحدَه، مع الاعتماد على حكمته من دون إتهامٍ لرحمته ولا القنوطِ منها.(*)

 

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. الفرقان:(77)
  2. غافر :(60)

(*) الكلمة الثالثة والعشرون - ص: (356)

 

قرئت 168 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد