احدى نكات اسم الله الحي

 

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿فانْظُر الى اثارِ رحْمتِ الله كيفَ يُحْيي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها

إنّ ذلك لَمُحْيي الموتى وهو على كل شيءٍ قدير﴾(الروم:50)

﴿الله لا اله الاّ هو الحيُّ القيُّومُ لا تأخُذُهُ سِنَةٌ ولا نوٌم... ﴾(البقرة: 255)

لقد تراءت في افق عقلي نكتة من النكات الدقيقة للآيتين المذكورتين، وتجلٍ من تجليات نور الاسم الاعظم (الحي) أو أحد

نورَيه، أو أحد انواره الستة، وذلك. في شهر شوال عندما كنت في سجن (اسكي شهر). فلم اتَمكن ان اثبّتها في حينه، ولم استطع ان اقتنص ذلك الطائر السامي، ولكن بعدما تباعد ذلك القَبسُ الوضئ اضطررت الى الاشارة اليه بوضع رموزٍ ترمز الى اشعةِ تلك الحقيقة الكبرى، وذلك النور الاعظم.

وسأشير اليها هنا باختصار:

الرمز الأول:

ما (الحياة) التي هي تجلٍ أعظم لأسم الله (الحي المحيي)؟

وما ماهيتها؟

وما مهمتها؟

جواب هذا السؤال نُدرجه على صورة فهرس، على النحو الآتي:

الحياة هي لهذه الكائنات:

• أهمُّ غاية..

• وأعظمُ نتيجة..

• وأسطع نور..

• وألطفُ خميرة..

• وأصفى خلاصة..

• وأكملُ ثمرة..

• وأسمى كمال..

• وأزهى جمال..

• وأبهى زينة..

• وهي سرُّ وحدتها..

• ورابطةُ اتحادها..

• ومنشأ كمالاتها..

• وهي أبدع ذاتِ روحٍٍ فيها، من حيث الاتقان والماهية..

• وهي حقيقتُها المعجزة؛ تُصير أصغر مخلوقٍ عالَماً بحدّ ذاته..

• وهي اروع معجزات القدرة الإلهية؛ بجعلها الكائن الحي بمثابة كونٍ مصغر، فكأنها - اي الحياة - وسيلةٌ لأنطواء الكائنات في ذلك الكائن الحي الصغير؛ بما تُظهر فيه ما يشبه فهرس الكون العظيم، كما تجعله في رباط وثيق مع معظم الموجودات..

• وهي صنعةٌ الهية خارقة؛ تكبِّر الجزء الضئيل الى اكبر كلٍّ، حتى انها تجعل الفردَ بحكم العالَم وكأنه كلّي. وتُعرض الكونَ - من حيث الربوبية - في حكم الكلّ والكلي الذي لا يقبل التجزئة والاشتراك والانقسام..

• وهي أسطعُ برهانٍ ضمن ماهيات الكائنات، واثبتُه واكملُه، يشهد على وجوب وجوده سبحانهُ، وعلى أنه (الحي القيوم) ويدل على وحدته وأحديته جل وعلا..

• وهي أبلغ صورة لصنعة ربانية حكيمة - ضمن المصنوعات الإلهية - واخفاها وأظهرها وأثمنها وازهدها وأنزهها وألمعها.

• وهي ألطف تجلٍ للرحمة الإلهية وأرقها وأدقها؛ تجعل الموجودات خادمة لها..

• وهي أجمع مرآة تعكس الشؤون الإلهية للانظار..

• وهي اعجوبة الخلقة الربانية؛ اذ تجمع تجليات اسم (الرحمن، الرزاق، الرحيم، الكريم، الحكيم وأمثالها من الاسماء الحسنى) وتجعل الحقائق الكثيرة والمشاهَدة كالرزق والحكمة والعناية والرحمة تابعة لها، فتقودها، مثلما هي منشأ جميع المشاعر ومعدن الحواس العامة كالبصر والسمع والشعور..

• وهي ماكنة تنظيفٍ عظيمة، وجهاز استحالةٍ عجيبة في مصنع الكائنات حيث تقوم بالتصفية والتطهير في كل نواحيه؛ فتطهِّر الشئ وتمنحُه الرقيَ وتنوّره، وكأن الجسدَ الذي هو عشّ الحياة - دارُ ضيافةٍ لقوافل الذرات ومدرستُها ومعسكرُها؛ تتعلم فيه وظائفها، وتتدرب على اعمالها، فتتنور وتضئ .

• وهي وسيلة ينوّر بها الحيُّ المحيي سبحانه عالَم الدنيا المظلم

فاعلم من هذا: ان الذين يحصرون غاية هذه الحياة في: (عيشٍ برفاه، وتمتّع بغفلة، وتنعّم بهوى) انما يستخفّون - بجهل مستهجن قبيح - بهذه النعمة الغالية الكبرى، نعمة الحياة، وهدية الشعور، واحسان العقل، ويحقرونها وينكرونها بل يكفرون بها فيرتكبون كفراناً عظيماً واثماً مبيناً.

الرمز الثاني:

الحياة التي هي أعظم تجلٍٍّ لاسم الله (الحي) وألطف تجلٍ لاسم الله (المحيي) يحتاج في بيان مراتبها وصفاتها ووظائفها - المذكور فهرستُها في الرمز الاول - الى كتابة رسائل عدة بعدد تلك المزايا والخصائص. لذا سنشير إشارة مختصرة الى بضع منها محيلين تفاصيلها الى اجزاء رسائل النور، حيث بَيّنت قسماً من تلك الخصائص والمراتب والمهمات.

فلقد ذكر في الخاصية الثالثة والعشرين من الخصائص التسعة والعشرين للحياة:

أن وجْهَي الحياة صافيان، شفافان، رائقان. فلم تضع القدرة الربانية اسباباً ظاهرية لتصرفاتها فيها.

وسرّ هذه الخاصية هو ما يأتي:

ان كل شئ في الكون ينطوي على خير، وفيه جمالٌ وحُسن، أما الشر والقبح فهما جزئيان جداً، وهما بحُكم وحدتين قياسيتين، أي انهما وُجدا لإظهار ما في الخير وما في الجمال من مراتب كثيرة وحقائق عديدة؛ لذا يُعَدُّ الشر خيراً والقبح حُسناً من هذه الزاوية. اي من زاوية كونهما وسائل لإبراز المراتب والحقائق.

ولكن ما يبدو لذوي الشعور من مظاهر القبح والشر والبلاء والمصائب قد تدفعهم الى السخط والشكوى والامتعاض. فوُضعَت الاسبابُ الظاهرية ستاراً لتصرف القدرة الإلهية، لئلا تتوجه تلك الشكاوى الظالمة والسخط الباطل الى (الحي القيوم) جلّ وعلا.

زد على ذلك فان العقل ايضاً بنظره الظاهري القاصر، قد يرى منافاة بين امور يراها خسيسةً، خبيثةً، قبيحة، وبين مباشرة يد القدرة المنزّهة المقدسة لها. فوُضِعَت الاسبابُ الظاهرية ستاراً لتصرف القدرة الربانية لتُنَزِّه عزة القدرة الإلهية عن تلك المنافاة الظاهرية.

هذا علماً ان الاسباب نفسهَا لا يمكنها ان توجد شيئاً بحد ذاتها قط. بل هي موضوعة لصيانة عزة القدرة الإلهية وتنزيهها، ولتظل هي هدفاً مباشراً للشكاوى الظالمة والاعتراضات الباطلة.

ولقد ذكرنا في (مقدمة المقام الثاني من الكلمة الثانية والعشرين) أن مَلَك الموت (عزرائيل) عليه السلام وجد أن مهمة قبض الارواح التي اوكلَتْ اليه مهمةٌ بغيضة لبني آدم، وسيكون من جرائها موضع سخطهم ومثار امتعاضهم، فناجى رب العزة بشأن مهمته قائلاً:

- يارب ان عبادَك سيسخطون عليّ!

وجاءه الجواب:

- سأضع ستار الامراض وحجاب المصائب بين مهمتك وبينهم، فلا تُصوَّب سهام الشكاوى والاعتراضات اليك، بل الى الحُجُب.

فحسب مضمون هذه المناجاة نقول:

ان الذين لا يرون الوجه الصبوح الحقيقي للموت - المطل على أهل الايمان - ولا يدركون ما فيه من رحمةٍ مدّخرة، يبدون اعتراضات وشكاوى، فتبرز أمامهم مهمة عزرائيل - عليه السلام - حجاباً وستاراً، فلا تتوجه تلك الشكاوى الباطلة والاعتراضات المجحفة الى الذات المقدسة (للحي القيوم). ومثلما ان مهمة عزرائيل ستار، فان الاسباب الظاهرية الاخرى هي ايضاً حُجُب وأستار.

نعم، ان (العزة والعظمة) تقتضيان ان تكون الاسباب حُجُباً بين يدي القدرة الإلهية أمام نظر العقل، الاّ ان (الجلال والوحدانية) يقتضيان ان تسحب الاسباب ايديها وترفعها عن التأثير الحقيقي.

أما وجها الحياة الظاهر والباطن، المُلك والملكوت، فهما صافيان كاملان مبرّءان من النقص والتقصير، فمثلما لا يوجد فيهما مايستدعي الشكوى أو الاعتراض، فليس فيهما كذلك ماينافي عزة القدرة ونزاهتها من دَنَس مستهجَن أو قبح ظاهر؛ لذا فقد سُلِّم وجهاها مباشرةً الى اسم (المحيي) لذات الله الحي القيوم من دون إسدال أستار الاسباب وحُجُبها.

ومِثل الحياة؛ النور، وكذلك الوجود والايجاد.. وعليه نرى أن الايجاد والخَلق يتوجهان مباشرةً من دون حُجُب واستار الى قدرة الخالق سبحانه، بل حتى المطر - وهو نوع من الحياة ورحمة مهداة منه سبحانه - فلا يحكّمه قانون مطّرَد يحدد وقت نزوله؛ وذلك لئلا تُحرَم اكفّ الضراعة امام باب الرحمة من الرجاء والاسترحام وقت الحاجة؛ اذ لو كان المطر ينزل حسب قانون مطّرد - بمثل شروق الشمس وغروبها - لَمَا كان الخلقُ يتوسلون ويستغيثون كل حين استنزالاً لنعمة الحياة تلك.

الرمز الثالث:

لقد ذكر في الخاصية التاسعة والعشرين أن:

الحياة هي نتيجة الكائنات مثلما أن نتيجة الحياة هي:

الشكر والعبادة، فهما سبب خلق الكائنات وعلة غايتها، ونتيجتها المقصودة.

نعم، ان خالق الكون سبحانه (الحي القيوم) اذ يعرِّف نفسَه لذوي الحياة ويحبّبها اليهم بنِعَمه التي لاتعد ولاتحصى، يطلب منهم شكرَهم تجاه تلك النعم، ومحبَّتهم ازاء تلك المحبة، وثناءهم واستحسانهم مقابل بدائع صُنعه، وطاعتَهم وعبوديتهم تجاه اوامره الربانية.

فيكون الشكر والعبادة - حسب سرّ الربوبية هذا - اعظم غاية لجميع انواع الحياة، وبدورها يكون غاية الكون بأسره.. ومن هنا نرى ان القرآن الكريم يحث بحرارة ويسوق برفق وعذوبة الى الشكروالعبادة؛ فيكرر كثيراً ويبيّن ويوضح:

أن العبادة خاصّة لله وحده، وأن الشكر والحمد لايليقان حقاً الاّ به سبحانه، وان ما في الحياة من شؤون وامور هي في قبضة تصرفه وحده، فينفي بهذا وبصراحة تامة الوسائطَ والاسباب، مسلِّماً الحياة بما فيها الى يد القدرة (للحي القيوم) فيقول مثلاً:

﴿وهو الذي يُحيي ويُميتُ وله اختلافُ الليلِ والنهار﴾(المؤمنون:80)

﴿وهو الذي يُحيي ويُميتُ فاذا قَضى أمراً فإنما يقولُ له كُنْ فيكون﴾(المؤمن: 68)

﴿فيُحيي به الارضَ بَعد مَوتها﴾(الروم: 24)

نعم! ان الذي يدعو الى الشكر والحمد والامتنان، والذي يثير الشعور الى المحبة والثناء - بعد نعمة الحياة - انما هو الرزق والشفاء والغيث، وامثالها من دواعي الشكر والحمد.

وهذه الوسائل ايضاً محصورة كلياً بيد (الرزاق الشافي) سبحانه، فليست الاسباب الاّ أستار وحُجب ووسائط فحسب؛ اذ ان علامة الحصر والتخصيص - حسب قواعد اللغة العربية - هو الرزاق، هو الذي، واضحة في الآيات الكريمة الاتية:

﴿هو الرزاقُ ذو القوةِ المتينُ﴾(الذرايات: 58)

﴿واذا مَرِضْتُ فهوَ يَشفينِ﴾(الشعراء:80)

﴿وهو الذي يُنزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ ما قَنَطوا﴾(الشورى: 28)

فهذه الآيات الكريمة وامثالها تبين:

ان الرزق والشفاء والغيث خاصةٌ به سبحانه وتعالى، وتنحصر كلياً بيد قدرة (الحي القيوم). فالذي وهب خواص الادوية والعلاج هو ذلك الشافي الحقيقي سبحانه الذي خلقها وليس غيره.

الرمز الرابع:

لقد بُيّنت في الخاصة الثامنة والعشرين من الحياة:

والعبادة؛ فيكرر كثيراً ويبيّن ويوضح:

أن العبادة خاصّة لله وحده، وأن الشكر والحمد لايليقان حقاً الاّ به سبحانه، وان ما في الحياة من شؤون وامور هي في قبضة تصرفه وحده، فينفي بهذا وبصراحة تامة الوسائطَ والاسباب، مسلِّماً الحياة بما فيها الى يد القدرة (للحي القيوم) فيقول مثلاً:

﴿وهو الذي يُحيي ويُميتُ وله اختلافُ الليلِ والنهار﴾(المؤمنون:80)

﴿وهو الذي يُحيي ويُميتُ فاذا قَضى أمراً فإنما يقولُ له كُنْ فيكون﴾(المؤمن: 68)

﴿فيُحيي به الارضَ بَعد مَوتها﴾(الروم: 24)

نعم! ان الذي يدعو الى الشكر والحمد والامتنان، والذي يثير الشعور الى المحبة والثناء - بعد نعمة الحياة - انما هو الرزق والشفاء والغيث، وامثالها من دواعي الشكر والحمد.

وهذه الوسائل ايضاً محصورة كلياً بيد (الرزاق الشافي) سبحانه، فليست الاسباب الاّ أستار وحُجب ووسائط فحسب؛ اذ ان علامة الحصر والتخصيص - حسب قواعد اللغة العربية - هو الرزاق، هو الذي، واضحة في الآيات الكريمة الاتية:

﴿هو الرزاقُ ذو القوةِ المتينُ﴾(الذرايات: 58)

﴿واذا مَرِضْتُ فهوَ يَشفينِ﴾(الشعراء:80)

﴿وهو الذي يُنزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ ما قَنَطوا﴾(الشورى: 28)

فهذه الآيات الكريمة وامثالها تبين:

ان الرزق والشفاء والغيث خاصةٌ به سبحانه وتعالى، وتنحصر كلياً بيد قدرة (الحي القيوم). فالذي وهب خواص الادوية والعلاج هو ذلك الشافي الحقيقي سبحانه الذي خلقها وليس غيره.

الرمز الرابع:

لقد بُيّنت في الخاصة الثامنة والعشرين من الحياة:

ان الحياة تثبت اركان الايمان الستة وتنظر اليها وتتوجه نحوها، وتشير الى تحقيقها.

نعم! فما دامت (الحياة) هي حكمة خلق الكائنات، وأهم نتيجتها وخميرتها، فلا تنحصر تلك الحقيقة السامية في هذه الحياة الدنيا الفانية القصيرة الناقصة المؤلمة، بل ان غاية شجرة الحياة ونتيجتها وثمرتها - والتي فهم عظمتها وماهيتها بالخواص التسع والعشرين - ما هي الاّ الحياة الأبدية والآخرة والحياة الحية بحجرها وترابها وشجرها في دار السعادة الخالدة. والاّ يلزم ان تظل شجرة الحياة المجَهزة بهذه الأجهزة الغزيرة المتنوعة في ذوي الشعور - ولا سيما الانسان - دون ثمر ولا فائدة، ولا حقيقة. ولظل الانسان تعساً وشقياً وذليلاً وأحط من العصفور بعشرين درجة - بالنسبة لسعادة الحياة - مع أنه أسمى مخلوق، وأكرم ذوي الحياة وارفع من العصفور بعشرين درجة، من حيث الاجهزة ورأس مال الحياة.

بل يصبح العقل الذي هو أثمن نعمةٍ بلاءً ومصيبة على الانسان بتفكره في أحزان الزمان الغابر ومخاوف المستقبل فيعدِّب قلبَ الانسان دائماً معكراً صفو لذةٍ واحدة بتسعة آلام!. ولا شك أن هذا باطل مائة في المائة.

فهذه الحياة الدنيا اذن تثبت ركن (الايمان بالآخرة) اثباتاً قاطعاً بما تظهر لنا في كل ربيع اكثر من ثلاثمائة الف نموذج من نماذج الحشر.

فيا ترى هل يمكن لربٍّ قدير، يهئ ما يلزم حياتك من الحاجات المتعلقة بها جميعاً ويوفّر لك أجهزتها كلها سواءً في جسمك أو في حديقتك، أو في بلدك، ويرسله في وقته المناسب بحكمة وعناية ورحمة، حتى أنه يعلم رغبة معدتك فيما يكفل لك العيش والبقاء، ويسمع ما تهتف به من الدعاء الخاص الجزئي للرزق مُبدياً قبوله لذلك الدعاء بما بثّ من الاطعمة اللذيذة غير المحدودة ليُطمئِن تلك المعدة! فهل يمكن لهذا المتصرف القدير ان لايعرفك؟ ولايراك؟ ولايهئ الاسباب الضرورية لأعظم غاية للانسان وهي الحياة

الأبدية؟؟ ولايستجيب لأعظم دعاءٍ وأهمّه وأعمّه، وهو دعاء البقاء والخلود؟ ولا يقبله بعدم انشائه الحياة الآخرة وايجاد الجنة؟ ولا يسمع دعاء هذا الانسان - وهو أسمى مخلوق في الكون بل هو سلطان الارض ونتيجتها - ذلك الدعاء العام القوي الصادر من الاعماق، والذي يهز العرش والفرش! فهل يمكن ان لا يهتم به اهتمامَه بدعاء المعدة الصغيرة ولا يُرضي هذا الانسان؟ ويعرّض حكمتَه الكاملة ورحمته المطلقة للانكار؟؟ كلا.. ثم كلا ألف ألف مرة كلا.

وهل يعقل ان يسمع اخفت صوت لأدنى جزء من الحياة فيستمع لشكواه ويسعفه، ويحلم عليه ويربيه بعناية كاملة ورعاية تامة وباهتمام بالغ مسخِّراً له أكبر مخلوقاته في الكون، ثم لا يسمع صوتاً عالياً كهزيم الرعد لأعظم حياة وأسماها وألطفها وأدومها؟ وهل يعقل: ألاّ يهتم بدعائه المهم جداً - وهو دعاء البقاء - وألاّ ينظر الى تضرعه ورجائه وتوسله؟ ويكون كَمَن يجهّز - بعناية كاملة - جندياً واحداً بالعتاد، ولايرعى الجيش الجرار الموالى له!! وكمن يرى الذرة ولايرى الشمس! أو كمن يسمع طنين البعوضة ولا يسمع رعود السماء! حاشَ لله مائة ألف مرة حاشَ لله.

وهل يقبل العقل - بوجه من الاوجه - ان القدير الحكيم ذا الرحمة الواسعة وذا المحبة الفائقة وذا الرأفة الشاملة والذي يحب صنعتَه كثيراً، ويحبّب نفسَه بها الى مخلوقاته وهو أشدّ حباً لمن يحبونه، فهل يعقل أن يُفْني حياة مَن هو أكثُر حباً له، وهو المحبوب، وأهلٌ للحب، والذي يعبد خالقَه فِطرةً؟ ويُفني كذلك لبَّ الحياة وجوهرها وهو الروح، بالموت الأبدي!! ويسبب جفوةً بينه وبين محبه ومحبوبه ويؤلمه أشد الايلام! فيجعل سر رحمته ونور محبته معرّضاً للأنكار! حاشَ لله الف مرة حاشَ لله...

فالجمال المطلق الذي زيّن بتجلّيه هذا الكون وجمّله، والرحمة المطلقة التي أبهجت المخلوقات قاطبة وزيّنتها، لابد أنهما منزّهتان ومقدستان بلا نهاية ولا حدّ عن هذه القساوة وعن هذا القبح المطلق

والظلم المطلق.

النتيجة:

مادامت في الدنيا حياة، فلابد أن الذين يفهمون سر الحياة من البشر، ولايسيؤن استعمال حياتهم، يكونون أهلاً لحياة باقية، في دار باقية وفي جنة باقية.. آمنا.

ثم، ان تلألؤ المواد اللماعة على سطح الارض بانعكاسات ضوء الشمس، وتلمّع الفقاعات والحَباب والزَبَد على سطح البحر، ثم انطفاء ذلك التلألؤ والبريق بزوالها ولمعان الفقاعات التي تعقبها - كأنها مرايا لشُمَيساتٍ خيالية - يُظهر لنا بداهة ان تلك اللمعات ما هي الاّ تجلي انعكاس شمسٍ واحدة عالية. وتذكُر بمختلف الالسنة وجود الشمس، وتشير اليها بأصابع من نور... وكذلك الامر في تلألؤ ذوي الحياة على سطح الارض، وفي البحر، بالقدرة الإلهية وبالتجلي الاعظم لإسم (المحيي) للحي القيوم جلّ جلاله، واختفائها وراء ستار الغيب لفسح المجال للذي يخلفها - بعد أن رددّت (ياحي) - ما هي إلاّ شهادات واشارات للحياة السرمدية ولوجوب وجود (الحي القيوم) سبحانه وتعالى.

وكذا، فان جميع الدلائل التي تشهد على العلم الإلهي الذي تُشاهَد آثارُه من تنظيم الموجودات، وجميع البراهين التي تثبت القدرة المصرّفة في الكون، وجميع الحجج التي تثبت الارادة والمشيئة المهيمنة على ادارة الكون وتنظيمه، وجميع العلامات والمعجزات التي تثبت الرسالات التي هي مدار الكلام الرباني والوحي الإلهي.. وهكذا جميع الدلائل التي تشهد وتدلّ على الصفات الإلهية السبع الجليلة، تدل - وتشهد أيضاً - بالاتفاق على حياة (الحي القيوم) سبحانه، لأنه: لو وجدت الرؤية في شئ فلابد أن له حياة ايضاً، ولو كان له سمع فذلك علامة الحياة، ولو وجد الكلام فهو اشارة على وجود الحياة، ولو كان هناك الاختيار والارادة فتلك مظاهر الحياة، كذلك فان جميع دلائل الصفات الجليلة التي تشاهَد آثارُها ويُعلَم بداهةوجودُها الحقيقي، أمثال القدرة المطلقة، والارادة الشاملة، والعلم المحيط، تدل على حياة (الحي القيوم) ووجوب وجوده، وتشهد على حياته السرمدية التي نورََّتْ - بشعاعٍ منها - جميعَ الكون وأحيَت - بتجلٍ منها - الدار الآخرة كلها بذراتها معاً.

* * *

والحياة كذلك تنظر وتدل على الركن الايماني (الايمان بالملائكة) وتثبته رمزاً. لأن:

الحياة ما دامت هي أهم نتيجةٍ للكون، وان ذوي الحياة - لنفاستهم - هم اكثر انتشاراً وتكاثراً، وهم الذين يتتابعون الى دار ضيافة الارض قافلة إثر قافلة، فتعمَّر بهم وتبتهج.. وما دامت الكرة الارضية هي محط هذا السيل من انواع ذوي الحياة، فتُملأ وتُخلى بحكمة التجديد والتكاثر باستمرار، ويُخلق في أخس الاشياء والعفونات ذوو حياةٍ بغزارة، حتى اصبحت الكرة الارضية معرضاً عاماً للاحياء.. وما دام يُخلق بكثرة هائلة على الأرض أصفى خلاصة لترشح الحياة وهو الشعور والعقل والروح اللطيفة ذات الجوهر الثابت، فكأن الأرض تحيا وتتجمل بالحياة والعقل والشعور والارواح.. فلا يمكن ان تكون الاجرام السماوية التي هي أكثر لطافةً واكثر نوراً وأعظم أهميةً من الارض جامدةً ودون حياة وبلا شعور.

اذن فالذين سيعمِّرون السماوات ويبهجون الشموس والنجوم، ويهبون لها الحيوية، ويمثلون نتيجة خلق السماوات وثمرتها، والذين سيتشرفون بالخطابات السبحانية، هم ذوو شعور وذوو حياة من سكان السموات وأهاليها المتلائمين معها حيث يوجدون هناك بسرّ الحياة.. وهم الملائكة.

* * *

وكذلك ينظر سر ماهية الحياة ويتوجه الى (الايمان بالرسل) ويثبته رمزاً.

نعم! فما دام الكون قد خُلق لأجل الحياة وان الحياة هي اعظم تجلٍ وأكمل نقش وأجمل صنعة (للحي القيوم) جلّ جلاله، وما دامت حياته السرمدية الخالدة تظهر وتكشف عن نفسها بارسال الرسل وانزال الكتب، اذ لو لم يكن هناك (رسل) ولا (كتب) لما عُرفت تلك الحياة الازلية، فكما ان تكلم الفرد يبين حيويته وحياته كذلك الانبياء والرسل عليهم السلام والكتب المنزَلة عليهم، يبيّنون ويدلّون على ذلك المتكلم الحي الذي يأمر وينهي بكلماته وخطاباته من وراء الغيب المحجوب وراء ستار الكون. فلابد ان الحياة التي في الكون كما انها تدل - بصورة قاطعة - على (الحي الازلي) سبحانه وتعالى وعلى وجوب وجوده، تدل كذلك على شعاعات تلك الحياة الازلية وتجلياتها وارتباطاتها وعلاقاتها باركان الايمان مثل (ارسال الرسل) و (انزال الكتب) وتثبتهما رمزاً. ولا سيما (الرسالة المحمدية) و (الوحي القرآني). اذ يصح القول، انهما ثابتان قاطعان كقطعية ثبوت تلك الحياة، حيث انهما بمثابة روح الحياة وعقلها.

نعم، كما ان الحياة هي خلاصة مترشحة من هذا الكون، والشعور والحس مترشحان من الحياة، فهما خلاصتها، والعقل مترشح من الشعور والحس، فهو خلاصة الشعور، والروح هي الجوهر الخالص الصافي للحياة، فهي ذاتها الثابتة المستقلة.. كذلك الحياة المحمدية - المادية والمعنوية - مترشحة من الحياة ومن روح الكون فهي خلاصة زبدتها، والرسالة المحمدية كذلك مترشحة من حسّ الكون وشعورِه وعقِله، فهي اصفى خلاصته، بل ان حياة محمد y- المادية والمعنوية - بشهادة آثارها حياة لحياة الكون، والرسالة المحمدية شعور لشعور الكون ونور له. والوحي القرآني - بشهادة حقائقه الحيوية - روح لحياة الكون وعقل لشعوره.. أجل.. أجل.. أجل.

فاذا ما فارق نور الرسالة المحمدية الكون وغادره مات الكون وتوفيت الكائنات، واذا ما غاب القرآن وفارق الكون، جَنّ جنونه وفَقَدت الكرة الارضية صوابَها، وزال عقلُها، وظلت دون شعور، واصطدمت باحدى سيارات الفضاء، وقامت القيامة.

* * *

والحياة - كذلك - تنظر الى الركن الايماني (القدر) وتدل عليه وتثبتهُ رمزاً، اذ: ما دامت الحياة ضياءً لعالم الشهادة وقد استولت عليه وأحاطت به، وهي نتيجة الوجود وغايته، واوسع مرآةٍ لتجليات خالق الكون، وأتم فهرسٍ ونموذج للفعالية الربانية حتى كأنها بمثابة نوعٍ من خطتها ومنهجها - اذا جاز التشبيه - فلابد أن سر الحياة يقتضي ان يكون عالم الغيب أيضاً - وهو بمعنى الماضي والمستقبل - أي المخلوقات الماضية والقابلة في حياة معنوية أي في نظام وانتظام وان يكون معلوماً ومشهوداً ومتعيّناً ومتهيأً لأمتثال الأوامر التكوينية. مَثَلُها كمثل تلك البذرة الاصلية للشجرة وأصولها، والنوى والاثمار التي في منتهاها، التي تتميز بمزايا نوعٍ من الحياة كالشجرة نفسها، بل قد تحمل تلك البذور قوانين حياتية أدق من قوانين حياة الشجرة.

وكما ان البذور والأصول التي خلفها الخريف الماضي، وما سيخلفه هذا الربيع - بعد إدباره - من البذور والأصول، تحمل نور الحياة، وتسير وفق قوانين حياتية، مثل ما يحمله هذا الربيع من الحياة، فكذلك شجرة الكائنات، وكلُّ غصن منها وكلُّ فرعٍ، له ماضيه ومستقبله، وله سلسلة مؤلفة من الاطوار والاوضاع، القابلة والماضية، ولكل نوعٍ ولكلّ جزء منه وجودٌ متعدد بأطوار مختلفة في العلم الألهي، مشكّلاً بذلك سلسلة وجود علمي. والوجود العلمي هذا، الشبيه بالوجود الخارجي هو مظهرٌ لتجلٍ معنوي للحياة العامة، حيث تُؤخذُ المقدرات الحياتية من تلك الالواح القَدَرية الحية ذات المغزى العظيم.

نعم، ان امتلاء عالم الارواح - الذي هو نوع من عالم الغيب - بالارواح التي هي عين الحياة، ومادتها، وجوهرها، وذواتها، يستلزم

ان يكون الماضي والمستقبل - اللذان هما نوع من عالم الغيب وقسم ثان منه - متجلية فيهما الحياة. وكذا فان الانتظام التام والتناسق الكامل في الوجود العلمي الإلهي لأوضاع ذات معانٍ لطيفة لشئ ما ونتائجَه واطوارَه الحيوية ليبين ان له اهلية لنوع من الحياة المعنوية.

نعم، ان مثل هذا التجلي - تجلي الحياة - الذي هو ضياء شمس الحياة الازلية لن ينحصر في عالم الشهادة هذا فقط، ولا في هذا الزمان الحاضر، وفي هذا الوجود الخارجي، بل لابد أن لكل عالمٍ من العوالم مظهراً من مظاهر تجلّي ذلك الضياء حسب قابليته.

فالكونُ اذن - بجميع عوالمه - حيٌ ومشعٌ مضئ بذلك التجلي والا لأصبح كلٌّ من العوالم - كما تراه عين الضلالة - جنازة هائلة مخيفة تحت هذه الحياة الموقتة الظاهرة، وعالماً خرباً مظلماً.

وهكذا يُفهم وجهٌ واسع من أوجه الايمان بالقضاء والقدر من سر الحياة ويثبت به ويتضح. أي كما تَظهر حيويةُ عالمٍ الشهادة والموجودات الحاضرة بانتظامها وبنتائجها، كذلك المخلوقات الماضية والآتية التي تعدّ من عالم الغيب لها وجودٌ معنوي، ذو حياة معنىً، ولها ثبوتٌ علمي ذو روح، بحيث يظهر - باسم المقدرات - اثر تلك الحياة المعنوية بوساطة لوح القضاء والقدر.

الرمز الخامس:

لقد ذكر في الخاصية السادسة عشرة من خصائص الحياة أنه:

ما ان تنفذ الحياةُ في شئ تصيّره عالَماً بحدّ ذاته؛ اذ تمنحه من الجامعية مايجعله كلاً ان كان جزءاً، وما يجعله كلياً إن كان جزئياً؛ فالحياة لها من الجامعية بحيث تعرض في نفسها أغلب الاسماء الحسنى المتجلية على الكائنات كلها، وكأنها مرآة جامعة تعكس تجليات الاحدية. فحالما تدخل الحياة في جسم تعمل على تحويله الى عالم مصغّر، لكأنها تحيله بمثابة بذرة حاملة لفهرس شجرة الكائنات، وكما لايمكن ان تكون البذرة الاّ اثر قدرة خالق شجرتها كذلك الذيخلق اصغر كائن حي لابد انه هو خالق الكون كله.

فهذه الحياة بجامعيتها هذه تُظهر في نفسها أخفى اسرار الاحدية وأدقّها. أي: كما ان الشمس العظيمة توجد بضيائها وألوانها السبعة وانعكاساتها في ما يقابلها من قطرة ماء أو قطعة زجاج، كذلك الامر في كل ذي حياة الذي تتجلى فيه جميع تجليات الاسماء الحسنى وانوار الصفات الإلهية المحيطة بالكون. فالحياة - من هذه الزاوية - تجعل الكون من حيث الربوبية والايجاد بحكم الكلّ الذي لايقبل الانقسام والتجزئة، وتجعله بحكم الكلّي الذي تمتنع عليه التجزئة والاشتراك.

نعم! ان الختم الذي وَضَعه الخالق سبحانه على وجهك يدل بالبداهة على أن الذي خلقك هو خالق بني جنسك كلهم؛ ذلك لأن الماهية الانسانية واحدة، فانقسامها غير ممكن. وكذلك الامر في أجزاء الكائنات! اذ تتحول بوساطة الحياة كأنها افراد الكائنات، والكائنات كأنها نوع لتلك الافراد.

فكما تُظهر الحياة ختمَ الأحدية على مجموع الكون فانها تردّ الشرك والاشتراك وترفضه رفضاً باتاً باظهارها ختم الأحدية نفسَه وختم الصمدية على كل جزء من أجزاء الكون.

ثم ان في الحياة من خوارق الصنعة الربانية ومعجزات الابداع الباهر بحيث انه مَن لم يكن قادراً على خلق الكون يعجز كلياً عن خلق أصغر كائن حي فيه.

نعم، ان القلم الذي كتب فهرس شجرة الصنوبر الضخمة ومقدّراتها في بذرتها الصغيرة - ككتابة القرآن مثلاً على حبة حمص - هو ذلك القلم نفسَه الذي رصّع صفحات السماء بلآلئ النجوم، وان الذي ادرج في رأس النحل الصغير استعداداً يمكّنها من معرفة ازهار حدائق العالم كله، وتقدر على الارتباط مع اغلبها بوشائج، ويجعلها قادرة على تقديم ألذّ هدية من هدايا الرحمة الإلهية - وهي العسل - ويدفعها الى معرفة شرائط حياتها منذ أول قدومها الى الحياة لا شكانه هو خالق الكون كله وهوالذي اودع هذا الاستعداد الواسع والقابلية العظيمة والاجهزة الدقيقة فيها

الخلاصة:

ان الحياة آيةُ توحيد ساطعة تسطع على وجه الكائنات، وان كل ذي روح - من جهة حياته - آيةٌ للأحدية، وان الصنعة المتقنة الموجودة على كل فرد من الاحياء ختمٌ للصمدية، وبهذا جميع ذوي الحياة يصدّقون ببصمات حياتهم رسالةَ الكون هذه ويعلنون أنها من (الحي القيوم) الواحد الأحد.. فكل منها ختم للوحدانية في تلك الرسالة فضلاً عن انها ختم للأحدية وعلامة الصمدية.

فكما ان الأمر هكذا في الحياة، فكل كائن حي ايضاً ختم للوحدانية في كتاب الكون؛ كما قد وُضع على وجهه وسيماه ختم الأحدية.

نعم! ان الحياة بعدد جزئياتها وبعدد أفرادها الحية أختامٌ وبصماتٌ حية تشهد على وحدانية (الحي القيوم) مثلما ان فعل البعث - الإحياء - ايضاً يختم باختام التصديق على التوحيد بعدد الأفراد من الاحياء.

فإحياءُ الارض الذي هو مثال واحد على البعث هو شاهدُ صدقٍ ساطع على التوحيد كالشمس، لأن بعث الأرض في الربيع واحياءها يعني بعث افرادٍ لا تعد ولا تحصى لأنواع الأحياء التي تربو على ثلثمائة الف نوع، فتُبعث جميعاً معاً من دون نقص ولا قصور بعثاً متداخلاً متكاملاً منتظماً. فالذي يفعل بهذا الفعل أفعالاً منتظمة لا حدود لها فانه هو خالق المخلوقات جميعها، وأنه (الحي القيوم) الذي يحيي ذوي الحياة قاطبة، وأنه الواحد الأحد الذي لا شريك له في ربوبيته قط.

اكتفينا بهذا القدر القليل المختصر من بسط خواص الحياة محيلين بيان الخواص الاخرى وتفصيلاتها الى أجزاء رسائل النور وفي وقت آخر.

 

الخاتمة

ان الاسم الاعظم ليس واحداً لكل أحد، بل يختلف ويتباين، فمثلاً: لدى الامام علي رضي الله عنه هو ستة اسماء حسنى هي: فردٌ، حيٌ، قيومٌ، حكمٌ، عدلٌ، قدوسٌ.. ولدى أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه اسمان هما: حَكَمٌ عدلٌ.. ولدى الشيخ الطيلاني قُدس سره هو اسم واحد: يا حيّ.. ولدى الامام الرباني (احمد الفاروقي السرهندي) رضي الله عنه هو: القيومُ.. وهكذا، فلدى الكثيرين من العظماء الافذاذ اسماء اخرى هي الأسم الاعظم عندهم.

ولما كانت هذه (النكتة الخامسة) تخص اسم الله (الحي) وقد أظهر الرسول الاعظم yفي مناجاته الرفيعة المسماة ب(الجوشن الكبير) معرفَته الجامعة السامية لله اظهاراً يليق به وحده؛ لذا نذكر من تلك المناجاة شاهداً ودليلاً وحجةً وتبركاً ودعاء مقبولاً وخاتمة حسنةً لهذه الرسالة، فنذهب خيالاً الى ذلك الزمان ونقول: آمين.. آمين على ما يقوله الرسول الكريم y، فنردد المناجاة نفسها على أصداء ذلك القول النبوي الكريم:

يا حيُّ قبلَ كلِّ حيّ * يا حيُّ بعد كل حيّ

يا حيُّ الذي لا يشبِهَهُ شئٌ * يَا حيُّ الذي ليسَ كمثلِه حيٌّ.

يا حيُّ الذي لا يُشاركه حيٌّ * يا حيُّ الذي لا يحتاج الى حيّ.

يا حيُّ الذي يُميت كلَّ حيّ * يا حيُّ الذي يرزُق كلَّ حيّ.

يا حيُّ الذي يحيى الموتى * يا حيُّ الذي لا يموت.

 

سُبحانك يا لا إله إلاّ انتَ الأمان الأمان نجنا من النار.آمين.

 

﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ مَا عَلّمْتَنَا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيمُ﴾ (*)

 

__________________

 (*) كليات رسائل النور - اللمعات - ص: 557

 

قرئت 212 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد