الآلام في اللذائذ الظاهرية

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :“ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” [البقرة: 216]

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

الآلام في اللذائذ الظاهرية

لمناسبة الرسالة التي كتبتها لكم قبل بضعة ايام حول غلبة الحياة الدنيوية على الحياة الدينية ظهر معنىً دقيق جداً لقلبي، قد لا يُعبّر عنه بالقلم. ولكني سأشير اليه اشارة في غاية الاختصار:

انني شاهدت ان ما يخدع اهل الضلالة في هذا العصر العجيب ويجعلهم سكارى ثملين، هو ان ما يتلذذونه من أوضاع فانية لذًة ظاهرية هو في الحقيقة في منتهى الألم. بينما شعرت -بما لا اتمكن من التعبير عنه - ان اهل الايمان والهداية يتلذذون لذة علوية في نفس الموضع من تلك الامور والاوضاع الفانية.

فلقد اثبتت رسائل النور في مواضع عدة: ان كل شئ معدوم لأهل الضلالة سوى الحال الحاضرة، لذا فكل شئ بالنسبة اليهم ملئ بالآم الفراق، بينما الماضى والمستقبل وما فيهما موجودان منوّران لأهل الايمان.

ولقد شاهدت ان الاوضاع الموقتة الفائتة لأهل الدنيا معدومة في ظلمات الفناء المطلق، بينما تلك الاوضاع نفسها موجودة لأهل الهداية. لأنني تذكرت بحسرة الاوضاع الموقتة التي مرّت عليّ، وهي اوضاع تحمل لذائذ واهميةً وشأناً فاشتقت اليها. ولكن ما ان ورد على ذهني ان تلك الاوضاع الطيبة فنيت في الماضي، اذا بنور الايمان يذكّّرني:انها باقية من نواحٍ عدة رغم فنائها الظاهرى، لأن تلك الاوضاع جلوات اسم الله الباقي سبحانه، فهي باقية في دائرة العلم الالهي والالواح المحفوظة والالواح المثالية. فالعلاقات التي تربطنا بتلك الاوضاع يورثها نور الايمان بقاءً ووجوداً فوق الزمان. فيمكنك مشاهدة تلك الاوضاع من نواحٍ عديدة كثيرة وكأنها سينما معنوية كثيرة بل يمكنك الدخول فيها. فقلت: "مادام الله موجوداً فكل شئ موجود اذن". هذا الكلام الذي اصبح مضرب المثل يمثل حقيقة: "من كان لله تعالى كان له كل شئ، ومن لم يكن له كان عليه كل شئ فكل شئ معدوم له".

بمعنى ان الذين يفضلون درهماً من لذة تحمل آلاماً وحسرات وظلمات على اضعافها من اللذائذ التي لا تحمل ألماً في الموضع نفسه، لاشك انهم سيقابلون - بما يخالف مقصودهم -الألم في موضع اللذة.

***

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 144

قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد