انه لا يُسأل عما يفعل

 

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

اعلم!(1)انه لايُسأل عما يفعلْ. فلا حقّ لشئ ولا لعلمٍ ولحكمةٍ اَن يَسأل عنه؛ اذ يتصرف في مُلكه كيف يشاء وهو عليم حكيم. يعلم ما لا نعلم. فعدم علمنا بحكمةِ شئ لا يدلّ على عدمها. اذ شهود الحكمة في الأكثر المطلق شاهدٌ على وجود حكمة مستورة عنا هنا أيضاً.

مثل:نتألّم من موت ذوي الحياة.. ولا نرى حسناً في قِصَر عُمر بعض الحيوانات اللطيفة..ولانفهم وجه الرحمة في انقراض بعض المصنوعات الحيويّة الطالبة للحياة في أمثال الشتاء.. والحال ان هذا التألم والاعتراض المعنوي انّما ينشأ من جهلنا بحقيقة الحال، اِذ ما من ذي حياة الاّ وهو كَنَفرٍ موظفٍ وعبدٍ مأمورٍ بإيفاء وظائف تكاليف الحياة، الكاتبة تلك الوظائف تسبيحات وتحميداتٍ بحساب خالق الموت والحياة وبإسمه. وحقوق الحياة وغاياتها عائدة اليه سبحانه، يكفي لشهوده آنٌ، بل تكفي النيّةُ الحالية بالقوة، كما في نيّة النواتات والبذور. فما الموت الاّ ترخيص وتحرير واِذنٌ وترويجٌ ودعوةُ حضور، كما قال {ثم الى ربهم يُحشرون}( الانعام: 38) على ان من كمال رحمته ان لايُبقي ذوي الحياة في أرذل العمر، وأن لا يديمهم في شدائد العمر في الشرائط المزعجة، كترخيص عشاق الأزاهير وسفرائها والمتلذذين بالخضراوات وامرائها من الوظيفة التي صارت كُلفة بعد ما كانت لذة، فاستعملهم صانعُهم واستخدمهم سيّدُهم في مدة شوقهم مع موافقة شرائط الحياة وسهولة حمل تكاليف الحياة.فاذ تعبّس في وجوههم شرائط الحياة بامثال الشيب والشتاء واستيلاء سلطنتها بتحولات الشؤون وانطفاء شوقهم، أمدَّهُم رحمةُ الرحمن بالإذن والترخيص. الى ان يُرسل امثالهم فينسجون على منوالهم فيسبّحون مولاهم.. يبتدؤن في أعمالهم من حيث انتهت أعمال أسلافهم..

فيا أيّها الغافل المتفرعن الزاعم انّك مالكٌ نفسك وحياتك والمتوهم ان سعادتك في بقاء حياتك بالراحة! أخطأتَ وخَلَطتَ وغلطتَ وعصيتَ وَقِسْتَ الحيوان الممنون المأمور والمتمِثل المسرور على نفسك الناسية لمالكها، فتراءت لكَ وَلْوَلَةُ جلوات الرحمة العامة في الشؤون "واويلاه" نعيات المأتم العمومي، فلا تتألم لهم حتى يكون

"التألم" شفقة ممدوحة، بل "تألم" لنفسك المفروضة في موقعهم، الفانية بطريق القياس فيهم.

واما تسليط (2) بعض الحيوانات على بعضٍ فلحمل الضّعفاء على الحزم والتيقظ والجوالية والخفّة واستعمال جهازاتها اللطيفة واخراج استعداداتها من القوة الى الفعل وغير ذلك.

فوازن بين الأهلية والوحشية كَيْ ترى هذه الحكمة ظاهرةً باهرةً. (*)

__________________

(1) الكلمة السابعة عشرة توضح مسألة وجه الرحمة في الموت والانقراض الذي يعترى الموجودات.

(2) النقطة الثانية من الكلمة الثامنة عشرة تشرح الحكمة في هذا.

(*)كليات رسائل النور - المثنوي العربي النوري - ص: 450

 

 

 

 

 

قرئت 5 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد