من المقدمة التي كتبها لإشارات الإعجاز

من المقدمة التي كتبها

لإشارات الإعجاز:

لقد تم تأليف تفسير (إشارات الإعجاز) في السنة الأولى من الحرب العالمية الأولى على جبهة القتال بدون مصدر او مرجع. وقد اقتضت ظروف الحرب الشاقة وما يواكبها من حرمان أن يُكْتب هذا التفسيـر في غاية الإيجاز والاختصار لأسباب عديدة.

وقد بقيت الفاتحة والنصف الأول من التفسير على نحو اشد إجمالا واختصارا:

أولاً: لان ذلك الزمان لم يكن يسمح بالإيضاح، نظراً إلى ان سعيداً القديم كان يعبّر بعبارات موجزة وقصيرة عن مرامه.

ثانياً: كان (سعيد) يضع درجة إفهام طلبته الأذكياء جداً موضع الاعتبار. ولم يكن يفكر في فهم الآخرين .

ثالثاً: لما كان يبيّن أدق وأرفع ما في نظم القرآن من الإيجاز المعجزجاءت العبارات قصيرة ورفيعة.

بيد أنني أجَلت النظر فيه الآن بعين (سعيد الجديد). فوجدت ان هذا التفسير بما يحتويه من تدقيقات، يعدّ بحق تحفة رائعة من تحف سعيد القديم بالرغم من أخطائه وذنوبه.

ولما كان ( أي سعيد القديم ) يتوثب لنيل مرتبة الشهادة أثناء الكتابة، فيكتب ما يعنّ له بنية خالصة، ويطبق قوانين البلاغة ودساتير علوم العربية، لم استطع ان اقدح في أي موضع منه، إذ ربما يجعل الباري عز وجل هذا المؤلَّف كفارة لذنوبه ويبعث رجالاً يستطيعون فهم هذا التفسير حق الفهم .

ولولا موانع الحرب العالمية، فقد كانت النيّـة تتجه إلى ان يكون هذا الجزء وقفاً على توضيح الإعجاز النظمي من وجوه إعجاز القرآن، وان تكون الأجزاء الباقية كل واحد منها وقفاً على سائر اوجه الإعجاز.

ولو ضمت الأجزاء الباقية حقائقَ التفسير المتفرقة في الرسائل لأصبح تفسيراً بديعاً جامعاً للقرآن المعجز البيان .

ولعل الله يبعث هيئة سعيدة من المنورين تجعل من هذا الجزء ومن (الكلمات) و(المكتوبات) الست والستين، بل المائة والثلاثين من أجزاء رسائل النور مصدراً، وتكتب في ضوئه تفسيراً من هذا القبيل...

ثم اني بينما كنت منتظراً ومتوجهاً لهذا المقصد بتظاهر هيئة كذلك - وقد كان هذا غاية خيالي من زمان مديد - إذ سـنح لقلبي من قبيل الحس قبل الوقوع تقرّب زلزلة عظيمة، فشرعتُ - مع عجزي وقصوري والإغلاق في كلامي - في تقييد ما سنح لي من إشارات إعجاز القرآن في نظمه وبيان بعض حقائقه، ولم يتيسر لي مراجعة التفاسير. فان وافقها فبِها ونِعْمَتْ والاّ فالعُهدة عليّ.

فوقعتْ هذه الطامة الكبـرى.. ففي أثناء أداء فريضة الجهاد كلما انتهزتُ فرصة في خط الحرب قيدتُ ما لاح لي في الأودية والجبال بعبارات متفاوتة باختلاف الحالات. فمع احتياجها إلى التصحيح والإصلاح لا يرضى قلبي بتغييرها وتبديـلها؛ إذ ظهرتْ في حالة من خلوص النية لا توجد الآن، فاعرضها لأنظار أهل الكمال لا لأنه تفسير للتنـزيل، بل ليصير - لو ظفر بالقبول - نوعَ مأخذٍ لبعض وجوه التفسير. وقد ساقني شوقي إلى ما هو فوق طوقي، فان استحسنوه شجعوني علىالدوام. ومن الله التوفيق.(1)

وقد أعجب بهذا التفسير القائد العام أنور باشا إعجاباً كبيراً إلى درجة أنه هرع إلى استقباله(2) بكل احترام -وهذا ما لم يفعله مع أحد- وقرر إعطاء الورق اللازم لطبع هذا الكتاب لكي تكون له حصة من شرف تلك الهدية ومن ثوابها، هدية الحرب كما ذُكر جهاد مؤلف الكتاب في الحرب بكل خير وبكل تقدير...(3)(*)

___________________

 (1) اشارات الاعجاز/ 17،21

(2) أي استقبال الأستاذ عند عودته من الاسر .

(3) الشعاعات/514

(*) السيرة الذاتية /124

 

قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد