التزم وظيفتك

اسمه سبحانه

أيها المستخلف المبارك

 

يذكرنا بديع الزمان النورسي في المثنوي العربي النوري بوظيفتنا التي خلقنا من اجلها فيحذرنا من الانشغال بهموم  خواطر مآلات السعي دون الالتزام بوظيفة السعي فنحن مكلفون بوظيفة مخصصة هي السعي في عمارة الارض بكل اشكال العبادة  

(( اعلم!(1)ايها السعيد الغافل الفضولي!. انك تترك وظيفتك، وتشتغل بوظيفة ربك. فمن ظلمك وجهلك؛ تركك لوظيفة العبودية الخفيفة التي هي في وسعتك.. وحملك على ظهرك ورأسك وقلبك الضعيف، وظيفة الربوبية التى تختص بمن (خَلَقَكَ فَسَوّيكَ فَعَدَلَكَ _ في اَيّ صُورَةٍ مَاشَاءَ رَكّبَكَ)(2) فالتزم وظيفتك، وفوّض اليه وظيفته لتسعد وتستريح.. وإلاّ صرت عاصياً شقياً وخائناً غوياً. مثلك(3) كمثل نفر عسكر له وظيفة اصلية هي التعليم المخصوص، والحرب والجهاد، والسلطان مُعينُه في هذه الوظيفة باحضار لوازماتها، ولسلطانه وظيفة مخصوصة هي اعطاء ارزاق ذلك النفر وتعييناته ولباسه حتى دوائه.. لكن قد يستخدم النفر في وسائل هذه الوظيفة، لكن بحساب الدولة.

ومن هذا السر اذا قلت لنفر يطبخ طعامه: ماتفعل؟ يقول: افعل سخرةً (وعنقرةً)(4)للدولة، ولا يقول اعمل لرزقي.. لعلمه انه ليس من وظيفته، بل على الدولة حتى ان تدخل اللقمة في فمه، ان لم يقتدر بالمرض مثلا. فالنفر المشتغل بالتجارة لتدارك رزقه جاهلٌ شقيّ يُزيَّف(5) ويؤدّب.. والتارك للتعليم والجهاد خائن عصيّ يُضرَب ويُعنَّف.

فيا سعيد الشقي! انت ذلك النفر، وصلاتك هي تعليماتك. وتقواك - بترك الكبائر ومجاهدتك مع النفس والشيطان - هي حربُك. فهذه هي غاية فطرتك لكن الله هو الموفق المعين.واما رزقك وادامة حياتك وما يتعلق بك من الاموال والاولاد، فهي من وظيفة فاطرك، لكنه قد يستخدمك في وسائل قرع ابواب خزائن رحمته بالسؤال الفعلي او الحالى او القالى، وقد يستعملك في الذهاب في المسالك التى توصلك الى مطابخ نعمته، فتطلب بلسان الاستعداد او الاحتياج او الفعل او الحال او القال ماعَيّن وَقَدّرلك. . فما اجهلك في اتهامك - في حق رزقك - من رزقك اطيب الرزق، وانت طفل صغير بلا اختيار ولا اقتدار ويرزق كل دآبة لا تحمل رزقها وَهُو السميع العليم القدير الغني الذي جعل الارض في الصيف مطبخةً لضيوفه يفيض فيوضه في ظروف الرياض، ويملأ أواني الاشجار بلذيذات الاطعمة.. فاعمل بحسابه وباسمه وباذنه فيما استعملك فيه بعد ايفاء وظيفتك الاصلية..فاذا تعارضا فعليك بوظيفتك فتوكل عليه، وقُلْ: حَسْبِيَ الله ونِعْمَ الوَكيلُ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصير.)) (6)

نعم نحن ما خلقنا الا لنسعى بكل اشكال العبادة لخالقنا اما مآلات العبادة ونتائج السعي فليس لنا فيها أي تدبير فبيد الله خالقنا الآمر( بكن )، فيكون تقديرها وتكوينها، فلا يجوز لأي عاقل أن يرضى بالانشغال بما كُفل له ويترك ما وكل إليه لقد خلقنا الله لأمرٍ واحد فقال في كتابه العزيز ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون *ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (  (7)

أي أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له ، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ، ومن عصاه عذبه أشد العذاب ، وأخبر أنه غير محتاج إليهم ، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم ، فهو خالقهم ورازقهم ،وكذلك نبه الى مصير المنشغلين عن ذكره  فقال تعالى {وَمَنْ أعرَضَ عن ذكري فإنَّ له معيشةً ضنكًا و نحشُرُهُ يومَ القِيَامةِ أعمى}(8).

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: [ قال الله : " يابن: آدم ، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك "](9)

ولقد حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن تتعلق قلوبنا بتحصيل أرزاقنا؛ فننسى الله – تعالى - والدار الآخرة،

عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :[ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه لا يستبطئن أحد منكم رزقه أن جبريل عليه السلام ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس واجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصية ]  (10)

فقضية الرزق من حيث الإيمان به جزء مهم من الاعتقاد في الله تعالى، فالله سبحانه تكفل للخلق بالرزق مهما كانوا وأينما كانوا، مسلمين أو كافرين، كبارًا أو صغارًا، رجالا أو نساء، إنسًا وجنا، طيرًا وحيوانا، قويًّا وضعيفًا، عظيمًا وحقيرًا؛ قال تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(11).

وخلاصة ما مر ان الله قد خلقك لتعبده بإطاعة أوامره واجتناب نواهيه وهي شاملة لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ففي كل حركاتك وسكناتك عبادة له ان عرفت ، فانشغل بالعبادة بأداء حق الله الواجب علينا وهو المفروض ونترك المضمون لله فإن الله لا يضيع أهله ولا يخيب ظن عباده به.  

 

اللهم صلِّ أفضل صلاتك على أعبد مخلوقاتك سيدنا محمد

وعلى آله وسلم عدد معلوماتك ومداد كلماتك

 كلما ذكرك الذاكرون

او غفل عن ذكرك

 الغافلون

___________________________

(1) كتاب الكلمات - الكلمة الخامسة- والدرس السابع من"المدخل الى النور".

(2) الانفطار: (7،8)

(3) هذا المثال موضح في كتاب الكلمات "الكلمة الثانية"

(4) كلمة مستعملة بالتركية اصلها يوناني ، وهي تعني العمل مجاناً من دون رغبة ولا اجرة.

(5) بمعنى : يهان ويحقر.

(6) المثنوي العربي النوري - ص: (371)

(7) الذاريات (56-57-58)

(8) طه:(124)

(9 ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ « الْمُسْنَدُ »(2/358) ، وَابْنُ مَاجَهْ (4107) ، وَابْنُ حِبَّانَ (393) ، وَالْحَاكِمُ (2/481) والترمذي 2468 

(10) مستدرك الحاكم (2136)

(11) هود:( 6)

1) قال تعالى :﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ الذاريات: 56

 1)عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : " ياابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك" وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ « الْمُسْنَدُ »(2/358) ، وَابْنُ مَاجَهْ (4107) ، وَابْنُ حِبَّانَ (393) ، وَالْحَاكِمُ (2/481) والترمذي 2468 

 

قرئت 23 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد