عمر بن الخطاب رضي الله عنه

سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

هو عُمر بن الخطّاب بن نُفيل بن عبد العُزّى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عُدي بن كعب بن لؤي القُرَشيّ العدوي، ويُكنّى بأبي حفص، وأُمُّهُ حنتمة بنتُ هاشم بن المُغيرة من قبيلةِ بني مخزوم، وقيل: هي حنتمة بنت هشام بن المُغير، فتكونُ أُختاً لأبي جهل، وعلى الأول فتكونُ ابنة عَمِّه.

كنيته : أبو حفص

لقبه : الفاروق ، وأمير المؤمنين و لقب بالفاروق لأنه كان يفرق بين الحق والباطل ولا يخاف في الله لومة لائم.

مولده :وُلد بعد عامِ الفيل بثلاثِ عشرة سنة، وقال - رضيَ الله عنه - عن مولدِه: إنّهُ وُلد بعد حرب الفُجار بأربعِ سِنين.

صفته وفضائله: كان أبيض البشرة مع حمرة خفيفة، أصلع الرأس، وله لحية طويلة كان يخضبها بالحناء، وكانت طويلة في المقدمة وتقصر عند العارضين، وكان رضي الله عنه فارع الطول جسيما ،

أمضى نصفَ حياتهِ في الجاهليّة، وكان من أبناءِ قُريش الذين تعلّموا القِراءة والكِتابة، وتحمَّل المسؤولية مُنذُ صِغره، ونشأ نشأةً قاسية، فلم يعرف النّعيم والتّرف، حيثُ كان يرعى الإبل لأبيه وخالاتهِ من بني مخزوم، وكان لمُعاملةِ أبيهِ القاسية له أثرٌ في نفسه، وكان يذكُرها في كبرِه وأسلم قديمًا بعد أربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة، وقيل: بعد تسعة وثلاثين رجلًا وثلاث وعشرين امرأة وقيل: بعد خمسة وأربعين رجلًا وإحدى عشرة امرأة فما هو إلا أن أسلم فظهر الإسلام بمكة وفرح به المسلمون.

أخرج الترمذي عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل ابن هشام".

وأخرج عن البراء -رضي الله عنه- قال: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، ثم ابن أم مكتوم، ثم عمر بن الخطاب في عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أثري، ثم قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر -رضي الله عنه- معه

أخرج ابن عساكر عن علي قال: ما علمت أحدًا هاجرمختفيًا إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا، ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده، وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي، فما تبعه منهم أحد.

وتمتّع عُمر بن الخطّاب رضيَ الله عنه بِصفاتٍ تدلُّ على إيمانه، واستعدادهِ لليومِ الآخر، فقد كان عادلاً، رحيماً، مُتواضعاً، كثير الخوف من الله تعالى؛ وظهرَ ذلك بكَثرةِ مُحاسبتهِ لنفسه، فقال: أكثروا من ذكرِ النار، و في ذاتِ يوم ذكّرهُ أعرابي بموقف يوم القيامة، فبكى رضيَ الله عنه وبُلَّت لحيتهُ من دُموعه، وكان يُخصّص وقتاً يستمعُ فيه لأُمورِ العامة، ويُقبلُ عليهم، ويخاف سؤال الله تعالى له يوم القيامة فيما قصّر في حقّ رعيِّته، حتى وإن كانت من الحيوانات، فجاء عنه قوله: لو مات جديٌ في الفرات لخشيتُ أن يسألني الله تعالى عنه. كما أنّهُ رضي الله عنه كان زاهداً؛ وظهر زُهدهُ بتفكّره في الدُنيا، وأنّها دارُ ابتلاءٍ واختبار، وأنَّها طريقٌ للآخرة، وبيقينه أنّ الإنسانَ فيها غريب وكعابرِ سبيل، وأنّها فانية ولا بقاءَ فيها لأحد، وأنّ الآخرة هي الباقية، على الرغمِ من بسط الدُّنيا بين يديه، وفُتحت البلاد في عهده، كما اتّصف أيضاً بالورع، والتواضع، والحِلم.

وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

والشيطان يخاف منه،  وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجك"

كما كان رضي الله عنه جريئًا في الحق، ولم يكن يخشى في الحق لومة لائم.

أخرج أحمد والبزار عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"

كان رضي الله عنه ذا نظرةٍ ثاقبةٍ بالإضافة إلى علمه، وتمتع برؤيته الحكيمة للأمور.

أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه سلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر"

وافق رأيه القرآن في الكثير من الأمور، وفي التهذيب للنووي: نزل القرآن بموافقته في أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي مقام إبراهيم، وفي تحريم الخمر، فزاد خصلة خامسة، وحديثها في السنن ومستدرك الحاكم أنه قال: اللهم بَيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فأنزل الله تحريمها.

اهتم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالرعية وكل الناس ولم يفرق بين أحد. وذلك عندما تولى رضي الله عنه خلافة المسلمين بعد أبي بكر. لقد حرص على الاهتمام برعيته، حيث قام بكل شؤونهم، ورعاية مصالح الرعية، وطبق العدل بين كل طبقات المُجتمع. ولمّ يُفضّل شخصً على غيره، وكان رضي الله عنه يُقرّب منه السابقين إلى الإسلام وأيضًا أهل الفضل والعلم.

أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، قلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرتك، فوليت مدبرًا". فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟

أخرج ابن سعد عن الأحنف بن قيس قال: كنا جلوسًا بباب عمر، فمرت جارية، فقالوا: سرية أمير المؤمنين، قال: ما هي لأمير المؤمنين بسرية، ولا تحل له، إنها من مال الله، فقلنا: فماذا يحل له من مال الله تعالى؟ قال: إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء، وحلة للصيف، وما أحج به وأعتمر، وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم ولا بأفقرهم، ثم أنا بعد رجل من المسلمين

وقال خزيمة بن ثابت : كان عمر إذا استعمل عاملاً كتب له، واشترط عليه ألا يركب برذونًا، ولا يأكل نقيًا، ولا يلبس رقيقًا، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.

أخرج البيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة، واللالكائي في شرح السنة، والديرعاقولي في فوائده، وابن الأعرابي في كرامات الأولياء، والخطيب في رواة مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: وجه عمر جيشًا، ورأس عليهم رجلاً يدعى سارية، فبينما عمر يخطب جعل ينادي: يا سارية الجبل، ثلاثًا، ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتًا ينادي: يا سارية الجبل، ثلاثًا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله، قال: قيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك، وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم، قال ابن حجر في الإصابة: إسناده حسن

قال العسكري: هو أول من سُمّي أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ من الهجرة، وأول من اتخذ بيت المال، وأول من سن قيام شهر رمضان، وأول من عس بالليل، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من حرم المتعة، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات، وأول من اتخذ الديوان، وأول من فتح الفتوح ومسح السواد، وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة، وأول من احتبس صدقة في الإسلام، وأول من أعال الفرائض وأول من أخذ زكاة الخيل، وأول من قال: أطال الله بقاءك، قاله لعلي، وأول من قال: أيدك الله قاله لعلي. هذا آخر ما ذكره العسكري.

وقال النووي في تهذيبه: هو أول من اتخذ الدرة، وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات قال: لقد قيل بعده: لدرة عمر أهيب من سيفكم، قال: وهو أول من استقضى القضاء في الأمصار، وأول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل.

وأخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن زياد قال: مر علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان وفيها القناديل فقال: نور الله على عمر في قبره كما نور علينا في مساجدنا.

قال ابن سعد: اتخذ عمر دار الدقيق، فجعل فيها الدقيق، والسويق، والتمر، والزبيب، وما يحتاج إليه: يعين به المنقطع، ووضع فيما بين مكة والمدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به، وهدم المسجد النبوي، وزاد فيه ووسع وفرشه بالحصباء، وهو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام، وأخرج أهل نجران إلى الكوفة، وهو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم، وكان ملصقًا بالبيت

وفاته :

قال الزهري: كان عمر -رضي الله عنه- لا يأذن لصبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب إليه المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يذكر له غلامًا عنده جملة صنائع، ويستأذنه أن يدخل المدنية، ويقول: إن عنده أعمالًا كثيرة فيها منافع للناس، إنه حداد، نقاش، نجار، فأذن له عمر أن يرسله إلى المدينة، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، فقال: ما خراجك بكثير، فانصرف ساخطًا يتذمر، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: أو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فالتفت إلى عمر عابسًا وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولى قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفًا، ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين، نصابه في وسطه، فكمن بزاوية من زوايا المسجد في الغلس1، فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة، فلما دنى منه طعنه ثلاث طعنات. أخرجه ابن سعد.

وقال عمرو بن ميمون الأنصاري: إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان، وطعن معه اثني عشر رجلًا مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوبًا، فلما اغتم فيه قتل نفسه.

وقال عمرو بن ميمون: قال عمر: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، ثم قال لابنه: يا عبد الله انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فاسأل في بني عدي، فإن لم تفِ أموالهم فاسأل في قريش، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده -تعني المكان- لنفسي، ولأوثرنه اليوم على نفسي، فأتى عبد الله فقال: قد أذنت، فحمد الله تعالى وقيل له: أوصِ يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم، فسمى الستة، وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء، فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة، ثم قال: أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا في مثل ذلك من الوصية، فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه، فأدخل في موضع هناك مع صاحبيه، 

أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، ودفن يوم الأحد مستهل المحرم الحرام، وله ثلاث وستون سنة، وقيل: ست وستون سنة، وقيل: إحدى وستون، وقيل: ستون، ورجحه الواقدي وقيل: تسع وخمسون، وقيل: خمس أو أربع وخمسون، وصلى عليه صهيب في المسجد.

 

قرئت 645 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد