شرح قول الاستاذ:وأما الآخر فهو الفاسق الخاسر الذي يلهث وراء هموم العيش لحدّ اتهام الرزاق الحقيقي

تفاصيل السؤال

هل يمكنكم شرح الجملة التالية؟
"
 وأما الآخر فهو الفاسق الخاسر الذي يلهث وراء هموم العيش لحدّ اتهام الرزاق الحقيقي، ولا يبالي في سبيل الحصول على لقمة العيش أن تفوتَه الفرائضُ وتتعرضَ له المعاصي."

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

إذا تذرّع شخص بهمّ المعيشة وطلب الرزق، وجعل ذلك سببًا لترك الصلاة وسائر العبادات الواجبة، فقد وقع في خسارة عظيمة.
فمثل هذا السلوك يتضمّن في باطنه اتهامًا لرحمة الله، وسوء ظنّ بربّه، وضعف توكّل، وقلقًا لا مبرر له بشأن الرزق الذي تكفّل به الله تعالى.

لزيادة البيان، من المفيد تأمل هذا المقطع من "اللمعة الثامنة والعشرين" من رسائل النور:

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }(الذاريات:56-58)

ثم يشرح الأستاذ النورسي هذا المعنى فيقول:
" الوجه الثاني:
الإنسان مُغرمٌ بالرزق كثيراً، ويتوهم أن السعي إلى الرزق يمنعه عن العبودية، فلأجل دفع هذا التوهم، ولكي لا يُتخَذ ذريعةً لترك العبادة تقول الآية الكريمة: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ وتحصر الغاية من الخلق في العبودية لله، وأن السعي إلى الرزق -من حيث الأمر الإلهي- عبوديةٌ لله أيضاً.

أما إحضارُ الرزق لمخلوقاتي ولأنفسكم وأهليكم وحتى رزقُ حيواناتكم فأنا الكفيل به. فأنتم لم تُخلَقوا له، فكل ما يخص الرزق والإطعام يخصني أنا وأنا الرزاق ذو القوة المتين.. فلا تحتجّوا بهذا فتتركوا العبادة، فأنا الذي أُرسل رزقَ مَن يتعلق بكم من عبادي.."(1)

شواهد من القرآن والحديث:

في هذا السياق، ننقل آية كريمة وحديثًا شريفًا يدعمان المعنى:
{ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }(النور:37)

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ:[ مَنْ جَعَلَ الهَمَّ هَمًّا واحدًا كفاهُ اللهُ همَّ دُنياهُ، ومَنْ تشعَّبتْ به الهمومُ لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أوديةِ الدُّنيا هلَكَ ] (2)

خلاصة المعنى:

  • من يجعل همّ المعيشة سببًا لترك الفرائض وارتكاب المعاصي، يكون قد خسر الدنيا والآخرة.
  • مثل هذا الإنسان يُعتبر فاسقًا خاسرًا، لأنه اتهم الله ضمنًا بالتقصير في الرزق.
  • العبادة هي الغاية الأساسية من خلق الإنسان، بينما السعي في طلب الرزق لا ينبغي أن يشغله عنها.
  • الله هو الرازق الحقيقي، فلا يصح أن يطغى السعي الدنيوي على التكاليف الشرعية.


 

______________
(1) كليات رسائل النور- اللمعة الثامنة والعشرون ص:436
(2) مستدرك الحاكم - 7934

 

 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد