اثبات وجود الشياطين

 

باسمه سبحانه

ايها المستخلف المبارك

ان لأبليس دسيسة كبرى هي أنه يجعل الذين اتبّعوه يُنكرون وجودَه. سنذكر شيئاً حول هذه المسألة البديهية، وجود الشياطين. حيث يتردد في عصرنا هذا في قبولها اولئك الذين تلوثت أفكارهم بالفلسفة المادية، فنقول:

اول:مثلما هو ثابت بالمشاهدة ثبوتاً قطعياً وجود ارواحٍ خبيثة في اجساد بشرية في عالم الانسان، تنجز وظيفة الشيطان واعماله. كذلك ثابت ثبوتاً قطعياً وجود

ارواح خبيثة بلا اجساد في عالم الجن، فلو ان هؤلاء اُلبسوا أجساداً مادية لأصبحوا تماماً مثل اولئك البشر الاشرار. وكذلك لو تمكن شياطين الانس - الذين هم على صور بشرية -من نزع اجسادهم لأصبحوا أبالسة الجن.

فبناء على هذه العلاقة الوطيدة ذهب أحد المذاهب الباطلة الفاسدة الى "أن الارواح الخبيثة الشريرة المتجسدة بصورة اُناسي تتحول الى شياطين بعد موته"!.

ومن المعلوم انه اذا ما فسد الشئُ الثمين يكون فسادهُ أشدَّ من فساد الشئ الرخيص، كما هو في فساد اللبن او الحليب حيث يمكن ان يؤكلا، أما اذا فسدَ الدهنُ فلا يمكن أكلُه، إذ قد يكون كالسمّ. وهكذا الانسان الذي هو اكرم المخلوقات بل ذروتها وقمّتها، اذا فسد فانه يكون أفسد وأحط من الحيوان الفاسد نفسه. فيكون كالحشرات التي تأنس بالعفونة وتريحها الروائح الكريهة، وكالحيّات التي تلتذ بلدغ الآخرين.بل يتباهى بتلذذه بالأخلاق الدنيئة النابتة في مستنقع الضلالة، ويستمرئ الاضرار والجرائم الناجمة في ظلمات الظلم. فيكون اذن قريناً للشيطان ومتقمصاً لماهيته..

نعم، ان الدليل القاطع على وجود شياطين الجنّ هو وجود شياطين الانس.

ثاني:ان مئات الدلائل القطعية في "الكلمة التاسعة والعشرين" لاثبات وجود الملائكة والعالم الروحاني، هي بدورها دلائل لاثبات وجود الشياطين ايضاً. نحيل إليها.

ثالث:ان وجود الملائكة الذين هم بحكم الممثلين والمشرفين على ما في أمور الخير الموجودة في الكون من قوانين كما أنه ثابت باتفاق الاديان، كذلك وجود الشياطين والارواح الخبيثة الذين هم ممثلو الامور الشريرة والمباشرون لها وتدور حولهم قوانينها، فانه قطعي الثبوت حكمةً وحقيقة. بل قد يكون وجود سببٍ وستارٍ مستتر من كائن ذي شعور في ممارسة الامور الشريرة اكثر ضرورةً، وذلك لعجز كل شخص أن يرى الحُسنَ الحقيقي لجميع الامور، كما ذكرنا في مستهل "الكلمة الثانية والعشرين". فلأجل الاّ تحدّثه نفسُه باعتراضٍ على امورِ الخالق سبحانه بما يُتوهم من نقصٍ او شرّ ظاهريين، ويتهم رحمته او ينتقد حكمته او يشكو بغير حقٍ، جعل الخالق الكريم

الحكيم العليم وسائط واسباباً ظاهرية مادية ستاراً لأمور قَدَره، وحُجُباً لتتوجه اليها الاعتراضات والانتقادات والشكاوى، ولا تتوجه اليه سبحانه وتعالى. فقد جعل الامراض والمصائب مثلاً أسباباً وستاراً للأجل، لكي لاتتوجه الاعتراضات وتصل الى مَلَك الموت "عزرائيل عليه السلام". وجعل مَلَكَ الموت نفسه حجاباً لقبض الارواح، لئلا تتوجه الشكاوى والانتقادات الناتجة من الأمور التي يُتوهم أنها بغير رحمة إليه سبحانه وتعالى..وهكذا وبقطعية اكثر اقتضت الحكمة الرّبانية وجود الشياطين لتتوجه اليهم الاعتراضات الناشئة من الشرور والأضرار والفساد.

رابع:كما ان الانسان عالمٌ صغير، كذلك العالم انسانٌ كبير، فهذا الانسان يمثّل خلاصة الانسان الكبير وفهرسه، فالنماذج المصغّرة في الانسان لابد أن أصولها الكبيرة المعظمة موجودةٌ في الانسان الأكبر بالضرورة.

فمثل:ان وجود القوة الحافظة في الانسان دليل قطعي على وجود اللوح المحفوظ في العالم.وكذلك يشعر كلٌ منا ويحسّ أن في قرارة نفسه وفي زاوية من زوايا قلبه آلةً وعضواً للوسوسة وهي اللمّة الشيطانية التي هي لسانُ شيطانٍ يتكلم بتلقينات القوة الواهمة، هذه القوة قد تحولت بفسادها الى شيطان مصغر، لأنها لاتتحرك الاّ ضدَ اختيار الانسان واِرادته وخلاف رغباته الحقيقية. ان هذا الذي يشعر به كلُ انسان حساً وحَدْساً في نفسه دليلٌ قطعي على وجود الشياطين الكبيرة في العالم الكبير. ثم ان هذه اللمّة الشيطانية وتلك القوة الواهمة تُشعران بوجود نفسٍ شريرةٍ خارجية تنفث في الاُولى وتستنطق الثانية وتستخدمها كالاذن واللسان.(*)

______________________________

(*) اللمعة الثالثة عشرة - الاشارة العاشرة - ص: 125

قرئت 228 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد