المصطلحات المتعلقة بالروح العقل

 

العقل :

    وهو قوة وهبت للانسان لادارك عوالم المادية والمعنوية. وبواسطة العقل يكسب الانسان العلم والحكمة. وان العقل رغم تقربه من المادة من جهة الفعل والتدبير، إلاّ انه مجرد عن المادة في ذاته. وهو جوهر بحيث جعله الله تعالى – بإحسانه – نوراً لروح الانسان وليستكشف بوساطته حقائق الأشياء.

    والعقل نور يرتقي به الانسان الى قمة الكمالات. وهو آلة ادراك يتميز بها الانسان عن الحيوان. وهو أساس جميع الفضائل والمعارف. وقد خلقه الله تعالى ليكون أساس الذين وركن العالم. حيث توجهت اليه الاديان. وكما ان نظام العالم وميزانه قائم به، فان السعادة الأبدية تتحقق بوساطته.

    ويتوصل العقل في مسألة معينة الى حكم قطعي بايجاده النقاط المشتركة بين الاشياء والحوادث. وذلك بترتيب تلك الاشياء والحوادث وتحليلها حسب قواعد المنطق. فيطبق نتائج العقيدة أو المبدأ في الفعل والعمل. ويقوم العقل بتأمين التطابق بين المفاهيم والموجودات الخارجية. فيدرك بوساطة القياس وبمعاونة معلوماته ما كان مجهولاً له. وبتفكره من الجزئي الى الكلي ومن الكلي الى الجزئي يتوصل الى النتائج.وبذلك يعمل العقل على حل أسرار الموجودات وماهيتها وحقائقها بعلوم ظاهرية ونظرية.

    وللعقل ثلاث مراتب : الحكمة والتهور والغباوة.

    فالحكمة : هي مرتبة الوسط للعقل. وهي امتثال الحق بعدما يراه حقاً واجتناب الباطل بعد ما يراه باطلاً. وبوساطة الحكمة يقوم العقل بجلب المنافع ودرء المفاسد. وبذلك يؤدي هذا العقل صاحبه الى التقوى والعمل الصالح.

    أما التهور، فهي مرتبة الافراط في العقل. ويمتلك صاحبها ذكاءً مكّاراً يُظهر به الحق باطلاً والباطل حقاً.

    وأما الغباوة : فهي المرتبة التي لا يعي صاحبها أبسط الأشياء ولا يكون لديه علم بها.

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( أول ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل، ثم قال لها أدبر فأدبرَ ثم قال الله عزوجل، وعزتي وجلالي ما خلقتُ خلقاً أكرم عليّ منك، بكَ آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب ))(1).

    ويقول سيدنا عمر رضي الله عنه: (( أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه ))(2).

    وقد قسم حكماء الإسلام العقل الى أربع مرتب :

    1- العقل الخيالي : وهو عبارة عن استعداد مطلق لادراك العلم والحكمة. أي انه قوة جاهزة لكسب العلم. مثال ذلك عقل الاطفال.

    2- العقل المَلَكي : يعرف العقل – في هذه المرتبة – الحقائق المتعلقة بالاشياء بصورة صحيحة ومستقيمة. أما المجهولة منها فانه يتوصل اليها عن طريق القياس.

    3- العقل الفعلي : ينتقل العقل في هذه المرتبة بعمل جاد وبسرعة الى النظريات. وبذلك يمكنه التوصل الى حقيقة أي شيء بتوجه قليل منه. فمثلاً يستطيع الوصول الى علم خلال ساعة واحدة او يوم واحد، في حين لا يستطيع أي شخص الحصول عليه خلال سنة واحدة. 

    4- العقل المستفاد : وهذه المرتبة هي هبة من الله تعالى. ويعبر عن هذه المرتبة بالعلم الحضوري. حيث تكون العلوم النظرية حاضرة لديه. أي ان العلوم والحقائق النظرية تكون مكشوفة وظاهرة لدى الشخص الذي يكون مظهراً لهذه المرتبة. وهذا المقام يختص بالأنبياء والخواص من الأولياء.

 

القلب :

    ينظر الى القلب بمعنيين الأول : مادي، والآخر معنوي.

    1- القلب المادي : وهو قطعة لحمية صنوبرية الشكل تتكون من عضلات قوية. وهو في هذا المعنى يقوم بتوزيع الدم الذي يعتبر ماء الحياة الى انحاء الجسم. وهذا القلب هو مفتاح الحياة. فالحياة قائمة بعمله، ومتى ما توقف عن العمل انتهت الحياة.

    2- القلب المعنوي : لقد أطلق أهل المعرفة والحكمة على القلب المعنوي – الذي هو سر إلهي ومعكس الأسرار الربانية – باللطيفة الربانية. وسبب تسمية هذه اللطيفة بالقلب لتقلبها باستمرار، وان الله سبحانه بلطفه وكرمه أحسن الى عباده بهذا القلب الذي هو محل المعرفة والفيوضات وذلك لإظهار معرفته ومحبته سبحانه لهم.

    فمعرفة العبد ومحبته لله تعالى تكون بهذا القلب. والقلب هو مهد ومسكن ومنبع ومركز جميع الفضائل والرذائل. وهو في انشراح دائم وفي تحول مستمر من حال الى حال عند قيامه بوظائفه المودعة لديه بشوق ونشوة. وتقوم هذه اللطيفة المليئة بالأسرار بعرض نتائج فعاليتها الجياشة المكنونة لديها وإظهار أسرارها الباطنة عن طريق اللسان والعين والأذن واليدين والرجلين.

    فينبغي عدم فتح باب قصر مليء بالأسرار أو فتح زبانة حوض مليء بالماء مرة واحدة دون علم ومعرفة. ولا بد لأية ثكنة عسكرية من تعليمات الدخول للثكنة والخروج منها. فعلى الانسان أن لا يسمح بكل ما يسمعها من الكلمات بالدخول الى قلبه او الخروج منه.

    أوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام : (( يا موسى إني خلقتُ في صدر عبدي قصراً سميته القلب. فجعلت المعرفة أرض هذا القصر، والايمان سماؤه، والشوق شمسه، والمحبة قمره، والهمة ترابه، والخوف رعده، والرحمة مطره، والوفاء شجره، والحكمة ثمراته، والفراسة نهاره، والمصائب ليله. وجعلت أبوابه العلم والحلم واليقين والصدق، ومفتاحه هو الفكر. ولن يطلع عليه سواي )).

    ويقول الشيخ عبدالقادر الكيلاني(3) - قدس سره – في إيضاحه هذه الحقيقة : (( أول ما يشرق في قلب المؤمن هو نجم الحلم. ومن ثم قمر العلم، فشمس المعرفة. فيعيش هذا المؤمن حياته بضياء الحلم وينوّر أخرته بنور العلم. وينظر الى مولاه بشمس المعرفة. 

    والآن نبين طبقات القلب ونتطرق بايجاز الخصائص المتعلقة بأطوار هذه الطبقات :

    للقلب المعنوي سبع طبقات، فكما ان في كل طبقة من طبقات السماء مقاماً لنبي من الأنبياء – عليهم السلام – فكذلك ان في كل طبقة من طبقات القلب طور وحال مسيطر عليها.

    يطلق على سماء الطبقة الاولى للقلب بـ ( الصدر )، حيث ينشرح الصدر ويتسع بالايمان والمعرفة. والصدر في الانسان شبيه بعالم الفضاء، فمثلما تسير النجوم والشموس في مسارها في عالم الفضاء، فان لطائف وحواس مختلفة تسير وتجول في فضاء صدر الانسان.

    نعم ان الصدر هو ميدان جميع المعارف الإلهية والقدسية، وسماء نجوم المعنويات وعرش الفيوضات والكمالات. ومن هذا العرش ينهمر الطمأنينة والسرور كالمطر. وبذلك ينشرح صدر الانسان ويطمئن قلبه.   

    وفي هذه الحالة تستطيع الروح بلطف الله جل جلاله أن تتغلب على كل مشكلة في حاضرها ومستقبلها وفي الدنيا والآخرة. وتخرج من الضلالة الى الهدى ومن الاتراح الى الافراح ومن الضيق الى السعة وذلك مثلما شرح الله صدره نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعله أوسع من الفضاء ووهب له كمال الاطمئنان والراحة والانشراح.

    أما سماء الطبقة الثانية فهو ( القلب )، والقلب هو محل الايمان وفيه بشع نور الهداية. وهذا القلب يحب الله ويتوجه اليه ويتلذذ من معرفته سبحانه.

    ويطلق على سماء الطبقة الثالثة بـ ( الشغاف) وفيه يشع نور المحبة وتسطع شمس العشق والشوق. ومن هذا الطور يتلذذ الانسان بحلاوة الايمان ولذة المعرفة والمحبة. ويكون قلب الانسان سليماً وعقله كاملاً.

    ويطلق على سماء الطبقة الرابعة بـ ( الفؤاد )، وفيها يحصل نو المشاهدة والكشف والكرامة. وفيها تنزاح حجب عوالم المعنى والملكوت. وهذه الطبقة يتوج اليها النظر الإلهي.

    ويطلق على سماء الطبقة الخامسة بـ ( حب القلوب ). وفي هذه الطبقة تكون محبة الله في أكمل مرتبة ومن ثم تنقلب هذه المحبة الى العشق، وفيها يترك حب الدنيا كلها.

    وسماء الطبقة السادسة هي ( السويداء ). وهذه الطبقة هي خزينة الأسرار الربانية. وفيها تشع أنوار العلوم الباطنة. وتشبه هذه السماء بمرآة ذات وجهين تتوجه الى عالم الشهادة وعالم الغيب معاً. وبنسبة لمعان هذه المرآة تنكشف لها أسرار لا يعلمها حتى الملائكة. بقول الرسول r (( لي مع الله وقت لا يَسَعني فيه مَلَك مقرّب ولا نبي مرسل ))(4).

    ويقول الشاعر

           سويداء قلبي أصبحت حرَماً لكم

                                               تطوف بها الأسرار من عالم اللطف

    وأما سماء الطبقة السابعة فهي (( سر القلوب )) وهذه الطبقة هي محل تجلي الأنوار. وان الله تعالى يفتح في قلوب عباده الذين اصطفاهم وشاء لهم الخير باباً يريهم من خلاله عوالم العجائب والغرائب.

    وقد استنبط علماؤنا الأجلاء كل طبقة من هذه الطبقات السبع من آية قرآنية معينة.

 

الوجدان :

    عندما يتصور الانسان بفكره شيئاً ويصدقه الوجدان بعد ذلك نتيجة المحاكمة يكون هذا العلم علماً يقينياً، أي علماً بعيداً عن الشك والريب. وبهذا التصديق يتعلق اطمئنان القلب وسكينته. والوجدان ميزان حساس يزن الكيفيات والحالات من الألم والرجاء والسرور والحزن والمحبة والعداوة والحسن والقبح والحق والباطل. وانه لا يخطأ أبداً ولا يغفل النفس الناطقة ( الروح ). والوجدان حس معنوي يزن الأفعال والتصرفات والأفكار والآمال والميول الحسنة والشريرة.

    ومثلما يقوم الانسان بوجدانه بأداء وظائفه تجاه خالقه، فانه يقوم أيضاً بمسئوليته تجاه مجتمعه. والخلاصة ان الوجدان هو ميزان الانسان.  

 

القوة الخيالية :

    الخيال هو احدى خزائن الحس المشترك.ويقوم الحس المشترك بتحويل المعلومات المكتسبة بوساطة الحواس الخمس الى الخيال. فمثلاً يقوم الحس المشترك بالتقاط الصور المرئية والاصوات المسموعة ويسلمها الى الخيال قبل ضياعها وتشتتها. فهو يودع كل ما تلتقطها الحواس الخمس من الاشكال الى الخيال. كما هو الحال في جهاز التصوير الذي يثبت الصور على الورق. وكذلك الانسان فانه يستطيع التعرف على الشكل الذي رآه مسبقاً او الصوت الذي سمعه من قبل. ويستطيع أيضاً بوساطة هذه القوى بين فترة واخرى تخيل معالم مدينة سبق له أن زارها او صوت سمعه.

    والوظيفة الاخرى للخيال هي خزن المادة الاساسية التي يحتاج اليها الذهن. أي بمعنى إعداد الاشياء التي تأتي من الخارج بوساطة الحس المشترك وجعلها رأس مال للذهن.

    ان مثل الخيال كمثل رحى يقوم بتصنيف المعادن المركبة المستخرجة من الجبال. فكما ان هذه المعادن المركبة تصنف حسب خواص كل معدن بعد مرورها في مصافي كيمياوية عديدة، فان الأفكار الأولية المركبة التي سلمها الحس المشترك الى الخيال، تصنف وتحلل بعد مرورها في مصفى التصور. وان المعلومات المكتسبة في الحافظة تكون مسجلة ومثبتة تحت أصناف، بينما تكون هذه المعلومات مشتتة متبعثرة وغير نظامية في الخيال.

    وللخيال وظيفة اخرى، وهي معاونته الانسان على أعمال سينجزها في المستقبل. فمثلاً ان الانسان يتخيل بالشيء الذي يرغبه ومن ثم يتصوره وأخيراً يبحث عن سبل تحقيق ذلك الشيء. نعم لو آمن الانسان بتحقيق ما في خياله لمستقبله فان ثقته تزداد وينجو من اليأس. وأما إن لم يعتمد على ذلك فانه يقع في اليأس. فالخيال في هذه الحالة يصبح عالم الآمال ومصدر تسلي كبير للانسان. فمثلاً لو خسر تاجر في تجارته سنة واحدة، فانه لا يقلق بذلك  لتخيله ربحه في المستقبل فيتسلى بذلك. 

    وان الأشياء المتخيلة يمكن أن تكون سبباً للسعادة وللشقاوة والطالة على حد سواء. لأن الانسان لو لم يتحكم على خياله بفكره، فان هذا الخيال سيولد سفسطات كثيرة، فيظهر الأشياء المضرة والباطلة أشياء جميلة. فالخاصية المهمة للانسان هي تمييز الحقيقة عن الخيال. وذلك بتحكمه على التصورات.

 

القوة الحافظة :

    وهي مركز تسجيل الأشكال والصور والأصوات والمعاني والخواطر والحوادث والألوان والكيفيات. بمعنى انها أرشيف العقل. فهذه الأشكال والصور الصادرة من الحواس الباطنة والظاهرة تنسج على هذه القوة. فمثلاً : عندما يلتقي شخصان للمرة الثانية فان أحدهما يعرف الآخر، لأن صورة كل واحد منهم طبعت في حافظة الآخر عند اللقاء الأول. و تتقوى هذه الحافظة بوساطة الدقة والتكرار والاعتناء.

 

القوة الوهمية :

    وهي القوة التي تشغل الانسان بالمخاوف والأوهام. حيث تقوم هذه القوة بتصوير الأشياء الممكنة او المحالة بضخامة وبصورة غريبة. فيستطيع الانسان بهذه القوة تخيل آلاف الشموس أو تخيل وجود جبل القاف(5). او طير العنقاء(6) الذي لا اصل لههما.

    واذا ما غلب الانسان أمام قوته الوهمية، فانه يظهر سفسطات وخدع تخالف الدلائل النقلية والعقلية وتخالف الحق والحقيقة. وجميع المعتقدات الباطلة هي من ثمار تغلب هذه القوة. وان غاية اعطاء هذه القوة للانسان هي لأجل الامتحان والاختبار فحسب. وقد أستعاذ أولياء عظام من غلبة الوهم على الفهم.

 

القوة المتصرفة :

    سجل علماء الفلاسفة وجود قوة يطلق عليها بالقوة المتصرفة، وهي الحس الخامس. وتتصرف في هذه القوة القوى الوهمية والعقلية.أي ان القوة المتصرفة تعبر بمثابة مصنع لهاتين القوتين.

    ويطلق أيضاً على هذه القوة بالقوة المفكرة باعتبارها مختبر العقل، وبالقوة المتخيلة باعتبارها محل عمل القوة الوهمية. أي ان الإنسان يستطيع بهذه القوة استنباط أشياء لا حقيقة لها بتصرفه في الصور التي يحس بها بعد تحليلها وتركيبها. فمثلاً : يصور إنساناً له رأسان وأربعة أرجل.

    وعندما تعمل القوة العقلية في مصنع القوة المتصرفة فانها يطلق عليها بـ ( القوة المفكرة ) ولكن القوة الوهمية لا تستطيع التقرب منها. وأما اذا ما تخلى العقل عن وظيفته في هذا المصنع فان القوة الوهمية تبدأ بعملها.

 

الحس المشترك :

    وهو القوة الموضوعة في مقدمة الدماغ. ويقوم هذا الحس بجمع المعلومات والاشكال والصور والاصوات الملتقطة من قبل الحواس الخمس من العالم الخارجي ونقلها إلى الحواس الباطنة.

    وتُجمع صور الاشياء الملتقطة من قبل الحواس الظاهرة في هذا الحس. ويمكن تشبيه هذا الحس بجهاز التلفزيون الذي يقوم بالتقاط وبث الصور والاصوات والاشكال والالوان. فوظيفة الحس المشترك هي ترجمة الايعازات الواردة من الخارج الى الداخل وبالعكس.

    ان المعاني المتولدة في القلب تصل الى الدماغ بشكل مجرد، ومنه الى الحس المشترك بعد مرورها من صفحات التخيل والتصور والتعقل الموجودة في الدماغ ومن ثم تلبس صورتها وتنتقل من الحس المشترك بعد تعلقها بالارادة الى العالم الخارجي عن طريق الحواس الظاهرة.

 

القوة الشهوية :

    هي القوة التي تأخذ الاشياء النافعة وتكتسبها. ويطلق عليها أيضاً بـ ( القوة المحركة ). وبوساطة هذه القوة تتحقق الرغبات والآمال. (( وتفريط القوة الشهوية الخمودة وعدم الاشتياق الى شيء ؛ وافراطها الفجور بأن يشتهي ما صادف حلّ أو حرم. ووسطها العفة بأن يرغب في الحلال ويهرب عن الحرام وقس على الأصل كل فرع من فروعاته من الأكل والشرب واللبس وأمثالها ))(7).

 

القوة الغضبية :

    يطلق على القوة الدافعة للمضرات بـ (القوة الغضبية). وعن طريق هذه القوة يحافظ الانسان على حياته بدرئه المفاسد عن نفسه. ويقول بديع الزمان النورس – رحمه الله – في توضيحه هذه القوة : (( تفريط القوة الغضبية الجبانة أي الخوف مما لايخاف منه والتوهم. وافراطها التهوّر الذي هو واد الاستبداد والتحكم والظلم، ووسطها الشجاعة أي بذل الروح بعشق وشوق لحماية ناموس الاسلامية واعلاء كلمة التوحيد ))(8).

    (( وإن لم تسلك القوة الغضبية طريق الشجاعة التي هي حد الاستقامة، هوت بالافراط في تهور وتجبر ذي أضرار بالغة وظلم شنيع وبالتفريط الى كثير من التخوف والتجبن المذل المؤلم فتعاني عذاباً وجدانياً دائماً جزاءً لما ارتكب من خطأ فقدها حد الاستقامة ))(9).

 

النفس :

    قسّم أرباب المعرفة والحكمة النفس في الانسان الى أقسام أربعة : النفس الطبيعية، النفس النباتية، النفس الحيوانية، النفس الانسانية.

    1- النفس الطبيعية :

    وهي القوة التي تربط أجزاء من الانسان بعضها مع البعض الآخر وتمنعه من التجزء والتحلل.

    2- النفس النباتية :

    وهذه القوة تساعد الانسان على النمو. ومن وظائفها هي البحث عن الرزق والحصول عليه، والاكل والشرب. وعملية الهضم في المعدة، وتقسيم الغذاء المفيد للجسم الى الاعضاء واخراج الضار والغير الضروري منه وطرحه خارج الجسم، وتحضير النطف الضرورية لدوام النسل.

    3- النفس الحيوانية :

    وهي قوة الديمومة والشهوة والحركة.

    4- النفس الانسانية (النفس الناطقة) :

    وهي جوهر مجرد عن المادة، او هي الجسم اللطيف عليها بالروح. والروح هي سلطان الجسد. ولكنها تقوم باجراء تصرفاتها في اجزاء الجسد عن طريق النفس الحيوانية.

    هذا وقد شبه اهل التفسير، الروح الطبيعية بالمشكاة ؛ والروح النباتية بالفتيلة، والروح الحيوانية بالوقود، والروح الانسانية بالزجاجية.

 

طبقات النفس :

    1- النفس الأمّارة :

    تكون هذه النفس تابعة لالقاءات الشيطان واغراءاته وبدون اعتراض، وهي دائماً تأمر بالمنكر فتجعل الانسان تابعاً لميول ولذات غير مشروعة وبهذه الصورة تكون النفس الامارة عدوة المؤمن. وفي الحديث الشريف اشارة الى هذه النفس في قوله صلى الله عليه وسلم( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك (10).

     2- النفس اللوامة :

    وهي النفس التي تلوم ذاتها وتتعذب بعذاب الوجدان، باحساسها بالندم على ما قام بها من سيئات تحت ضغط وتضييق النفس الأمارة. وهذه النفس مهما لامت ذاتها وقيّمتها، فانها تميل الى السيئات وترغب بها. حتى انها لم تتطهر تماماً من بعض مخلفات النفس الأمارة. حيث تستمر استمالتها نحو الشهوة غير المشروعة، ولكنها تتألم من هذا الموقف.

    وان هذه النفس رغم قيامها بعبادتها لله تعالى، فانها تميل الى الرياء. إلاّ ان وجدانها يكون قلقاً من هذا الرياء. وانها ليست بريئة تماماً من المخاطر والزلل.

    ولكي ينجو الانسان من مخاطر هذه النفس يلزم عليه اشباع فكره وعقله بالحقائق الايمانية ومجاهدة هذه النفس. عندئذ يطمئن قلبه ويفيض بالمحبة وباللذة المعنوية. فلا يكون مغلوباً أمام وساوس نفسه، ولا ينخدع بتلقينات شهوته.

    3- النفس الملهمة :

    ينجو الانسان من النفس اللوامة ويدخل في النفس الملهمة باتباعه القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبتركه المحرمات والدخول في دائرة التقوى. وان سبب تسميتها بهذا الاسم هو : لأجل الالهام الحاصل من الله تعالى على صاحب هذه النفس من فيض وانوار وحكم ومعارف. وفي هذه المرتبة تبرز مزايا عالية كالعلم والحلم والعفة والصبر والتواضع والتواصي بالحق والجهاد.

    4- النفس المطمئنة :

    وهي النفس المتصفة بالأخلاق الحسنة، واطمأنت وحظيت بالقرب الإلهي وتطهرت من الصفات القبيحة. والانسان المالك لهذه النفس يكون حليماً وسليماً ومتوكلاً، وجاعلاً حركاته مطابقة للسنة النبوية المطهرة، وبذلك يمطئن قلبه. لذا يجد المصاحب لهذا الانسان المالك لهذه النفس السكينة والسرور، ويتعين لديه العلم الوهبي بعد انتقاله الى مرتبة معينة. فيكون عالماً بأسرار القرآن الكريم وحقائق الأشياء.

    5- النفس الراضية :

    يطلق على النفس التي تركت جميع رغباتها وشهواتها المشروعة والغير المشروعة، وبلغت لديها رغبة تحصيل مرضاة الله تعالى، مرتبة الكمال بالنفس الراضية. وفي هذا المقام من النفس لم يبق أي اثر للعجز البشري، فتكون حركاتها في سبيل مرضاة الله تعالى.

    6- النفس المرضية :

    وهي النفس التي حظيت برضاء الله تعالى وقبوله، وان صاحب هذه النفس قد بلغ درجة الكمال في نسيان الرغبات البشرية وإن كانت في دائرة الحلال. واستسلم كلياً لارادة الله تعالى. فمثل هذا الانسان يعفو ويصفح عن جميع الاهانات المتوجهة اليه. فيشفق ويرحم الجميع وينورهم بالمعارف ويخلصهم من ظلمات الجهل ويكون ممن يؤثرون على أنفسهم، وتكون روحه وقلبه بمثابة ينابيع الانوار ومصدر الاسرار.

    7- النفس الكاملة :

    يطلق على النفس التي بلغت درجة الكمال في العلم والورع والخلق الحسن وأخذت على عاتقها وظيفة ارشاد الناس، بالنفس الكاملة. ويكون صاحب هذه النفس والذي بلغ مقام الارشاد في مجال المعرفة، موظفاً معنوياً لاكمال مقامات الآخرين. فيكون خطابه علوماً وحِكماً، وتفيض قلوب اصحابه بمحبة الله تعالى(11).

 

 

قوى النفس الجسمانية (النباتية والحيوانية ) :

    للنفس الجسمانية خمس قوى :

  1. القوة الغذائية : وهي قوة الأكل والشرب وأخذ الغذاء.
  2. القوة النامية : وهي قوة النشوء والنماء.
  3. القوة المولدة : وهي قوة التوالد والتكاثر.
  4. القوة المصورة : وهي القوة التي تلبس صوراً وأشكالاً للاشياء المتولدة من القوة المولدة. حيث تأخذ النطف المستقرة في الارحام او النوى المزروعة تحت التراب باذن الله تعالى بوساطة هذه القوة أشكالاً وصوراً معينة.

    وهاتان القوتان الأخيرتان ضرورية لدوام النوع وبقائه.

    5- القوة المميزة :

    وهي القوة التي تميز الغذاء الطازج عن الكثيف وترسله الى المكان المناسب له. وتقوم بتوزيع أفضل الأغذية الى الدماغ ومن ثم الى الكريات البيض وبعدها الى الاعضاء الاخرى وذلك حسب أهمية الغذاء.

    القوى الهضمية :

    تنقسم هذه القوى الى أقسام أربعة :

    1- القوة الجاذبة :

    وهي القوة التي تحمل الغذاء الحاصل الى الأماكن المحتاجة له. ولولا هذه القوة لتسرب الغذاء كالماء الجاري وتوقفت الحياة.

    2- القوة الماسكة (المحافظة) :

    تُسلم الأغذية الحاصلة من قبل القوة الجاذبة الى القوة الماسكة بوساطة هذه القوة، وتبقى الأغذية في الجسم الى فترة معينة لحين قيام القوة الهاضمة بوظيفتها.

    3- القوة الهاضمة :

    تقوم هذه القوة بهضم الغذاء الذي احتفظ من قبل القوة الماسكة. ويكون الغذاء المهضوم جزءاً من الجسم. وذلك بمعاونة القوة الجاذبة. ولهذه القوة أربع مصافي وهي : الفم والمعدة والكبد والامعاء الدقيقة والغليظة.

    4- القوة الدافعة :

    وهي القوة التي تدفع المواد الغير النافعة الى الخارج.

 

    الجوهر :

     وهو الاصل الثابت الذي تجري عليه تغيرات وتبدلات الحوادث.

    وينقسم الجوهر الى قسمين : الأول مادي، والآخر معنوي. فالمواد الأساس هي الجوهر المادي، أما الأجسام والمواد المختلفة في الشكل والخصائص والناتجة من مركبات المواد الاساس فهي العرضي.

    أما الجوهر المعنوي : فهو يضم جميع الروحانيات. فالروح الانساني هي جوهر، وبدنه هو العرض.

    وقد اتضح مما سبق ان في الانسان ماهية ثابتة لا تتغير بتغير جسده ألاَ وهي الجوهر. أما القسم المتغير منه فهو العرض. (*)  

 

______________

(1) رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابي أمامة وأبو نعيم من حديث عائشة باسنادين ضعيفين .

(2) الكشكول ؛ محمد بهاءالدين العاملي ص3 .

(3) الشيخ عبدالقادر الكيلاني : ابن ابي صالح ابو محمد الجيلي ، ولد سنة 470هـ . ودخل بغداد فسمع الحديث وتفقه على ابي سعيد المخزمي الحنبلي . كان من سادات المشايخ من مصنفاته : كتاب الغنية وفتوح الغيب والفتح الرباني . توفي وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة التي كانت له سنة 561 هـ . (المترجم) .

 (4) يقول الامام الرباني في مكتوباته عن هذا الحديث الشريف (( بعد تسليم صحة هذا الحديث أن بعض المشايخ قد أراد بالوقت الواقع في الحديث وقتاً مستمراً أي لي مع الله وقت مستمر ، فلا إشكال . ( وثانياً ) ان الوقت المستمر قد تعرض فيه أحياناً كيفية خاصة يمكن أن يكون المراد بالوقت الوقت النادر ويكون المراد به هذه الكيفية النادرة . فعلى هذا يرتفع الإشكال أيضاً . ويمكن أن يكون في حديث ( وقرة عيني في الصلاة ) اشارة الى هذه الكيفية النادرة . ( وورد ) أيضاً في الخبر أقرب ما يكون العبد من الرب في الصلاة . وقال الله تعالى }  وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ { ولا شك ان كل وقت يكون القرب الإلهي فيه أزيد يكون مجال الغير فيه أشد انتفاء ففهم من هذا الحديث وهذه الآية أيضاً ان ذلك الوقت في الصلاة . )). المكتوبات ج1 ، ص307 . (المترجم)

(5) جبل القاف : قال المفسرون انه جبل محيط بالدنيا وهو من زبرجد خضراء منه خضرة السماوات ووراءه عالم وخلائق لا يعلمهم إلاّ الله . (كتاب عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات ) للقزويني ج2 ، ص239 .(المترجم).

(6) العنقاء : طائر خرافي في أساطير المصريين القدماء يقال انه لما بلغ ( 500 ) سنة من عمره أحرق نفسه ، وبرزت في رماده عنقاء أخرى . وهو رمز البعث او الخلود . كان موضوعاً محبباً عند الوثنين والمسيحيين . عرفه العرب وعدوه في شعرهم أحد المستحيلات الثلاثة – في المثل السائر – وهي : العنقاء والغول والخل الوفي . ( المترجم ) .

(7) اشارات الاعجاز ص33.

(8) اشارات الاعجاز ص33.

(9) الشعاعات / ص650

(10) (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) رواه البيهقي في الزهد باسناد ضعيف وله شاهد من حديث أنس .. والمشوهور على الألسنة (أعدى عدوك ..) إ . هـ . (كشف الخفاء 1/143) . قال العراقي في تخريج الإحياء (كتاب عجائب القلب).اخرجه البيهقي في كتاب الزهد من حديث ابن عباس ، وفيه محمد بن عبدالرحمن بن غزوان احد الوضاعين . إ . هـ . . وقال الزبيدي في شرح الإحياء 7/206 تعقيباً على العراقي . ووجدت بخط ابن حجر ما نصه : وللحديث طرق اخرى غير هذه من حديث انس . (المترجم) .

(11) ( ألاَ أنبئكم بخياركم ، خياركم الذي اذا رؤوا ذُكر الله ) رواه احمد في مسنده وابن ماجه عن اسماء بنت يزيد . حديث حسن .

(*) ما هي الروح ؟ تأليف الأستاذ محمد قرقنجي - ترجمة سامي سليمان عارف

 

 

قرئت 63 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد