علاقة الروح مع العقل والوجدان

 

علاقة الروح مع العقل:

    العقل هو مستشار الروح وبوساطته تسيطر الروح على الحواس والقوى أمثال الشهوية والغضبية والبهيمية: فتحطم إفراط هذه القوى وتفريطها، وتكسبها الاستقامة وبوساطة العقل تدفع الروح المفاسد وتجلب المنافع وتحمي الجسم وتصونه من مهالك الدنيا والآخرة. ونتيجة مشورتها مع العقل تحوّل القوى التي هي كسموم قاتلة ودساسة إلى ترياق واكسير. وتترجم القابليات غير المتناهية للشر والعصيان إلى طاعة وخير غير متناهية.

    والروح تفتح خزائن الرحمة وكنوز الحكمة غير المتناهية في الكائنات وبذلك يجد الإنسان سبل السعادة الأبدية.

    وهناك نقطة مهمة وهي: إن العقل لا يكون مرجعاً في كل المسائل. فلأجل إيجاد الحقائق والوصول إلى الله تعالى ينبغي له مراجعة الكتب الإلهية والدساتير الربانية والاستمداد من الكتاب والسنة. وإلاّ فان العقل يَضلّ ويُضلّ ويَزلّ ويُزلّ.

 

علاقة الروح مع الوجدان:

    الوجدان هو قوة تمييز العقل. وان الروح تتحرك بتنظيم وتدبير العقل. والعقل يتحرك بتنظيم وتدبير الوجدان. ففي هذه الحالة تنتظم الأحوال المتعلقة بالعقل بوساطة الوجدان فالوجدان أشبه ما يكون بمحكمة التمييز فهو الذي يحكم في صحة أفعال وحركات العقل أو خطأها.

    ويكون العقل مسؤولاً بأفكاره وتصرفاته تجاه الوجدان وان العقل الذي لا يأخذ على عاتقه مسؤولية مراجعة الوجدان يكون مغلوباً تجاه رغبات النفس دائماً، ويشترط في عروج الروح إلى عرش الكمالات، امتزاج العقل مع الوجدان.

    ويحتاج الوجدان أيضاً إلى نور لرؤية الحقيقة. وهذا النور هو القرآن الكريم. وبهذا النور يصبح مرشداً صادقاً للروح.

    ويقوم الوجدان في داخل الإنسان بوظيفة مشرف ومفتش وآمر معنوي. وهذه اللطيفة مكونة من مفاهيم مجردة عن المادة كالعدالة والاستقامة والغضب والظلم. وهي قوة عالمة وتعلم أنها عالمة. نعم أن العلم غير الذي يعلم انه يعلم. وعندما نتأمل قليلاً نسمع الخطاب الرباني الأزلي { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ  }(الأعراف: 172)  الموجه إلى أعماق أرواحنا وهذا الخطاب ينادي أسماع أرواحنا كل حين بـ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ }(الحشر:19).

    ويقول بديع الزمان سعيد النورسي ( رحمه الله ) : « ان الوجدان لا ينسى الخالق مهما عطّل العقلُ نفسه وأهمل عمله، بل حتى لو أنكر نفسه فالوجدان يبصر الخالق ويراه. ويتأمل فيه ويتوجه إليه. والحدس- الذي هو سرعة انتقال في الفهم - يحرّكه دائماً.وكذا الإلهام - الذي هو الحدس المضاعف - ينورّه دوماً. والعشق الإلهي يسوقه ويدفعه دوما إلى معرفة الله تعالى، ذلك العشق  المنبعث من تضاعف الشوق المتولد من تضاعف الرغبة الناشئة من تضاعف الميلان المغروز في الفطرة. فالانجذاب والجذبة المغروز في الفطرة ليس إلاّ من جاذب حقيقي »[1](*).

___________________

(1) المثنوي العربي النوري / ص431

(*) ما هي الروح ؟ تأليف الأستاذ محمد قرقنجي - ترجمة سامي سليمان عارف

 

 

قرئت 191 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد