غاية العبادة
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
احذر ان يلتبس عليك غاية عبادتك.
ان غاية امتثالُ امر الله ونيلُ رضاه، فالداعي الى العبادة هو الامر الإلهي، ونتيجتها نيلُ رضاه سبحانه. اما ثمرتها وفوائدها فأخروية. الاّ انه لا تنافي العبادة اذا مُنحت ثمراتٌ تعود فائدتها الى الدنيا، بشرط الاّ تكون علتها الغائية، وألاّ يُقصد في طلبها. فالفوائد التي تعود الى الدنيا والثمرات التي تترتب عليها من نفسها وتمنح من دون طلب لاتنافي العبادة، بل تكون بمثابة حث (وترجيح) للضعفاء. ولكن اذا صارت الفوائد الدنيوية او منافعها علةً، او جزءاً من العلة لتلك العبادة او لذلك الورد او الذكر فانها تُبطل قسماً من تلك العبادة. بل تجعل ذلك الورد الذي له خصائص عدة عقيماً دون نتيجة.
فالذين لا يفهمون هذا السر، ويقرأون (الاوراد القدسية للشاه النقشبند) مثلاً التي لها مئات من المزايا والخواص، او يقرأون (الجوشن الكبير) الذي له ألفٌ من المزايا والفضائل وهم يقصدون بعض تلك الفوائد بالذات، لا يجدون تلك الفوائد، بل لن يجدوها ولن يشاهدوها، وليس لهم الحق لمشاهدتها البتة؛ لأنه لا يمكن ان تكون تلك الفوائد علة لتلك الاوراد، فلا تُطلب منها تلك الفوائد قصداً، لان تلك الفوائد تترتب بصورة فضل إلهي على ذلك الوِرد الذي يُقرأ قراءة خالصةً دون طلب شيءٍ. فأما اذا نواها القاريء فان نيتها تُفسد اخلاصه جزئياً، بل تخرجها من كونها عبادةً، فتسقط قيمتها.
بيد ان هناك امراً آخر، هو أن اشخاصاً ضعفاء بحاجة دائمة الى مشوّق ومرجح فاذا ما قرأ الاوراد قراءة خالصة لله متذكراً تلك الفوائد فلا بأس في ذلك، بل هو مقبول.
ولعدم ادراك هذه الحكمة، يقع الكثيرون فريسة الريب والشك عند عدم وجدانهم تلك الفوائد التي رُويت عن الاقطاب والسلف الصالحين، بل قد ينكرونها. (*)
__________________________
(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:199