سَعْد بن أَبي وقاص رضي الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
هو سَعْد بن أَبي وقاص القرشي الزهري، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، يَلْتَقِي في نسبه مع النبي فِي كلاب بن مرة، وهو من بني زهرة وهم فخذ آمنة بنت وهب أم الرسول، لذلك يعد من أخوال النبي.
وأمُّه : حَمْنَةُ بنت سفيان بن أُميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصيّ
أخوته:
عامر بن أبي وقاص، من السابقين الأولين، ومن مهاجرة الحبشة، شهد غزوة أحد، وكان يحمل الرسائل من قادة جيوش المسلمين في الشام إلى الخليفة في المدينة المنورة، وقد كان نائباً لأبي عبيدة على إمارة جند الشام.
عتبة بن أبي وقاص، اختلف في إسلامه، وقيل أنه هو الذي كسر رَباَعِيَة النبي في غزوة أحد وأنه مات كافرًا، وهو والد هاشم بن عتبة.
عمير بن أبي وقاص، أسلم مبكرًا، وقتل في غزوة بدر وهو في ابن ست عشرة سنة.
كنيته: أبو إسحاق
مولده ونشأته:
ولد سعد في مكة سنة ثلاث وعشرون قبل الهجرة النبوية (23 ق.هـ/599 م)، فنشأ في قريش، بين شبابها وساداتها، ويتعرف على الحجاج الوافدين إلى مكة المكرمة في أيام الحج ومواسمها، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، مما جعله بارعا في الرمي،و الصيد والغزو.
أسلم سعد بن أبي وقاص وهو ابن سبع عشرة 17 سنة من عمره، وكان من أوائل الذين دخلوا في الإسلام عن طريق أبي بكر الصديق، وقد أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإسلام.
ولإسلام سعد بن أبي وقاص قصة مع والدته، فقد غضبت أم سعد بإسلامه غضبا شديدا، وحاولت جاهدة أن ترده عن دينه، إلا أنها لم تفلح.
كان رجلا قصيرا ، دحداحا ، غليظا ، ذا هامة ، شثن الأصابع ، أشعر الجسد ، يخضب بالسواد ، آدم ، أفطس ،
فضائل ومناقب:
أحد العشرة ، وأحد السابقين الأولين ، وأحد من شهد بدرا والحديبية ، وأحد الستة أهل الشورى .
عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل سعد بن مالك فقال رسول الله: " هذا خالي ، فليرني امرؤ خاله " لأن أم النبي صلى الله عليه وسلم زهرية ، وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، ابنة عم أبي وقاص .
عن أبي عثمان أن سعدا قال : نزلت هذه الآية في وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما قال : كنت برا بأمي ، فلما أسلمت ، قالت: يا سعد ، ما هذا الدين الذي قد أحدثت ؟ لتدعن دينك هذا ، أو لا آكل ، ولا أشرب ، حتى أموت ، فتعير بي ، فيقال : يا قاتل أمه ، قلت: لا تفعلي يا أمه ، إني لا أدع ديني هذا لشيء ، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشرب وليلة ، وأصبحت وقد جهدت ، فلما رأيت ذلك ، قلت : يا أمه ، تعلمين والله لو كان لك مائة نفس ، فخرجت نفسا نفسا ، ما تركت ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت .
عن أبي إسحاق قال: أشد الصحابة أربعة: عمر ، وعلي ، والزبير ، وسعد .
عن ابن عمر قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة " . فطلع سعد بن أبي وقاص .
عن عائشة بنت سعد قالت : قال سعد : اشتكيت بمكة ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فمسح وجهي وصدري وبطني ، وقال : " اللهم اشف سعدا " فما زلت يخيل إلي أني أجد برد يده صلى الله عليه وسلم على كبدي حتى الساعة .
عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ، ورققنا . فبكى سعد بن أبي وقاص ، فأكثر البكاء . فقال: يا ليتني مت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا سعد ، أتتمنى الموت عندي ؟ " فردد ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : " يا سعد ، إن كنت خلقت للجنة ، فما طال عمرك أو حسن من عملك ، فهو خير لك "
عن عائشة قالت: أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقال: " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة " . قالت: فسمعنا صوت السلاح ، فقال رسول الله: من هذا ؟ قال سعد بن أبي وقاص: أنا يا رسول الله جئت أحرسك، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه .
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى جانب من الحجاز يدعى رابغ ، وهو من جانب الجحفة . فانكفأ المشركون على المسلمين ، فحماهم سعد يومئذ بسهامه ، فكان هذا أول قتال في الإسلام ،
عن ابن مسعود قال : اشتركت أنا ، وسعد ، وعمار ، يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة ، فجاء سعد بأسيرين ، ولم أجئ أنا وعمار بشيء .
قال سعد: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي . ولقد رأيته ليقول لي: " يا سعد ، ارم فداك أبي وأمي " . وإني لأول المسلمين رمى المشركين بسهم . ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق السمر ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام ، لقد خبت إذا وضل سعيي .
عن سعيد بن المسيب ، سمعت سعدا يقول : نثل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحد وقال : " ارم ، فداك أبي وأمي "
عن سعد قال : رأيت رجلين عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويساره يوم أحد ، عليهما ثياب بيض ، يقاتلان عنه كأشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد .
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : " اللهم استجب لسعد " ثلاث مرات .
عن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص ، حدثني أبي: أن عبد الله بن جحش قال يوم أحد: ألا تأتي ندعو الله تعالى ، فخلوا في ناحية ، فدعا سعد ، فقال : يا رب ، إذا لقينا العدو غدا ، فلقني رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده ، أقاتله ، ويقاتلني ، ثم ارزقني الظفر عليه ، حتى أقتله وآخذ سلبه . فأمن عبد الله ، ثم قال: اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه ، شديدا حرده ، فأقاتله ، ويقاتلني ، ثم يأخذني ، فيجدع أنفي وأذني ، فإذا لقيتك غدا قلت لي: يا عبد الله ، فيم جدع أنفك وأذناك ؟ فأقول: فيك وفي رسولك ، فتقول : صدقت .
قال سعد : كانت دعوته خيرا من دعوتي ، فلقد رأيته آخر النهار ، وإن أنفه وأذنه لمعلق في خيط .
دعا سعد بن أبي وقاص فقال: يا رب ، بني صغار، فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة .
ومن مناقب سعد أن فتح العراق كان على يدي سعد ، وهو كان مقدم الجيوش يوم وقعة القادسية ونصر الله دينه . ونزل سعد بالمدائن ، ثم كان أمير الناس يوم جلولاء فكان النصر على يده ، واستأصل الله الأكاسرة .
وفي سنة إحدى وعشرين شكا أهل الكوفة سعدا أميرهم إلى عمر ، فعزله .
عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر، فقالوا: إنه لا يحسن أن يصلي. فقال سعد: أما أنا، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله، صلاتي العشي لا أخرم منها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين . فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق . فبعث رجالا يسألون عنه بالكوفة ، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد الكوفة ، إلا قالوا خيرا ، حتى أتوا مسجدا لبني عبس ، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ نشدتمونا بالله ، فإنه كان لا يعدل في القضية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يسير بالسرية ، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا ، فأعم بصره ، وأطل عمره ، وعرضه للفتن. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك . فإذا سئل كيف أنت ؟ يقول : كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد .
عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنه لما أصيب، جعل الأمر شورى في الستة وقال: من استخلفوه فهو الخليفة بعدي ، وإن أصابت سعدا، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإنني لم أنزعه، يعني عن الكوفة، من ضعف ولا خيانة .
قال الزهري: لما استخلف عثمان ، عزل عن الكوفة المغيرة ، وأمر عليها سعدا .
عن عامر بن سعد أن أباه سعدا ، كان في غنم له ، فجاء ابنه عمر ، فلما رآه قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما انتهى إليه ، قال: يا أبة أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك ، والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ، فضرب صدر عمر ، وقال: اسكت ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل يحب العبد التقي الغني الخفي " .
اعتزل سعد الفتنة ، فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم ،
عن مصعب بن سعد ، أن رجلا نال من علي ، فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه. فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات .
وفاته:
توفي بالعقيق في قصره ، على سبعة أميال من المدينة، وحمل إليها ،وذلك في سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية (55 هـ/674 م)وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، ودُفِن بالبقيع، كان سعد آخر المهاجرين وفاة، عن أم سلمة أنها قالت: لما مات سعد ، وجيء بسريره، فأدخل عليها، جعلت تبكي وتقول: بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كان سعد قد اعتزل في آخر عمره، في قصر بناه بطرف حمراء الأسد .