معنى الطواف حول الكعبة والحكمة منه

تفاصيل السؤال

ما الحكمة من الطواف سبع مرات أثناء الحج؟ وما معنى الطواف؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

إن الطواف حول الكعبة يمثل فكرة التوحيد.
ومعناه في الحياة الاجتماعية هو عدم الانفصال عن الوحدة، والسعي للحفاظ عليها.
أما معناه في الحياة الفردية، فهو أعمق ويحتوي على حقائق روحية؛ فالسماوات سبع طبقات، وكذلك النفس البشرية تتكون من سبع مراتب.
ومع كل دورة، يتم اجتياز مرحلة، وبلوغ منزلة، مما يشير إلى الارتقاء فوق السماوات السبع، والسمو فوق العالم المادي.
كما أن ذلك يرمز إلى ارتقاء النفس من أدنى مراتبها إلى أعلاها، أي من "النفس الأمارة بالسوء" إلى "النفس المطمئنة"، حيث ينجو الإنسان من حياة البهيمية ويبلغ حياة الروحانية.

الطواف حول الكعبة هو عبادة مستوحاة من نظام الكون.
فالكواكب تدور حول الشمس، والإلكترونات تدور حول النواة؛ والدوران حول مثل هذا المركز يعبر عن التعلق به حباً وارتباطاً.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}(الإسراء:44)

وقد ساعدت تطورات العلوم الطبيعية في تفسير هذه الآية؛ إذ تبين أن جميع الكائنات، بما فيها ما كان يُظن أنه جامد، تتكون من ذرات، وتدور الإلكترونات باستمرار وبنظام دقيق حول نواة الذرة، وهذا ما عبر عنه القرآن بالتسبيح. ومن هنا فإن الطواف حول الكعبة، رمز الإسلام، هو تعبير عن الانتماء للدين، والتفاني في محبة الله والتعلق به بكل جوارح القلب.

العبادة هي قيام العبد بواجباته من تكبير وحمد وشكر لله تعالى كما أمره. لذا، فإن أداء كل كائن للمهمة التي خلقه الله من أجلها يُعد عبادة وتسبيحاً.

فهم الطواف:
الطواف في اللغة يعني الدوران حول شيء. وفي الكون، كل شيء في حالة طواف، من أصغر وحدة مادية وهي الذرة إلى أعظم المجرات. فالإلكترونات تدور حول النواة بسرعة مذهلة، والمجرات تدور بنظام فلكي مذهل حول مراكزها. كأن الجميع يعبد الخالق الذي أوجدهم. وكما ورد في القرآن:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(يس:33)

ومنظر آلاف المسلمين يطوفون حول الكعبة يشبه دوران مجرة بنجومها، وللتمتع باللذة الروحية في الطواف، يجب أن يُسلم المرء نفسه لهذه الدائرة، ويصبح قطرة في بحر المؤمنين. الطواف هو رمز للخضوع والامتثال لحكم الله، وخلاصة الكون والخَلق.

الرَّمَل والاضطباع:
الرَّمَل هو مشي الرجال في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف بخطى قوية، أما الاضطباع فهو كشف الكتف الأيمن عند الطواف أثناء الإحرام. وكلاهما كان إظهاراً للقوة أمام المشركين عندما جاء المسلمون من المدينة المنورة لأداء العمرة بعد سنوات من الهجرة. حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يُظهروا القوة والنشاط أمام قريش، وقد فعلوا ذلك. ومع أن هذه الحاجة زالت بزوال المشركين، إلا أن هذه السنة استمرت، ليظل المسلمون يتذكرون أهمية إظهار القوة والعزة.

بدء الطواف بالكعبة على يسار الطائف له معنى رمزي، حيث يكون القلب، موضع نظر الله، باتجاه الكعبة، بيت الله.
فالله لا ينظر إلى الصور والأموال، بل إلى القلوب. ولذا فثمة علاقة عميقة بين الكعبة وقلب الإنسان، وهذا يدل على أن الطواف ينبغي أن يكون من القلب وبالنية الصادقة.

في الطواف، يُعاش لذة الإيمان. هذه اللذة الروحية الناتجة عن القرب من الله لا يمكن أن تُشعر في مكان آخر بهذا الوضوح والحيوية.
يشعر الحاج وكأنه في بيته، في حضن محبة الله. الكعبة تبدو له مألوفة، برائحتها وحرارتها وجلالها.

كما في الصلاة، لا يوجد تمييز بين الطائفين حول الكعبة. الكل سواء. لا فروق بين الناس، لا علامات تميز أحدًا عن الآخر. الكل يتوحد في رمز التوحيد، فينبغي للمؤمن أن يذوب في الجماعة.

الدوران حول مركز ما هو تعبير رمزي عن المحبة العميقة والاستعداد للتضحية في سبيله. والطواف حول بيت الله الحرام هو تعبير فعلي عن التوجه لله وحده، والخضوع له، وعدم عبادة سواه.

الحاج في الطواف يدرك أنه في حضرة الله، ويجب أن يطوف بتوقير وخشوع، بمحبة تجمع بين الخوف والرجاء. كما أن النبي إبراهيم عليه السلام طاف مع ابنه إسماعيل أثناء بناء الكعبة، كذلك يبني الحاج بإيمانه قلبه. الكعبة هي بيت الله، والقلب موضع نظر الله، فالله يراقب القلوب وينظر إليها.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم](مسلم)
وفي الآخرة كذلك، كما في الدنيا، الله يريد قلباً سليماً،
كما في الآية 88 من سورة الشعراء{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}

ولهذا قال المتصوفة أن جميع الصفات التي وردت عن الكعبة في القرآن والحديث، يمكن أن تُطلق على القلب، فهو بيت الله. وقالوا إن القلب هو "البيت الحرام"، لا يجوز أن يدخله غير الحبيب، لأن الله يسكن فيه. ويؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم أثناء طوافه بالكعبة:
[ما أطيبَكِ وأطيبَ ريحَكِ ما أعظمَكِ وأعظمَ حرمَتكِ والذي نفسُ محمدٍ بيدِهِ لحُرمةُ المؤمنِ أعظمُ حُرمةً عِندَ اللهِ مِنكِ مالُهُ ودمُهُ وأنْ يُظنَّ بهِ إلا خيرًا](ابن ماجه)

 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد