أسباب غزوات النبي

تفاصيل السؤال

ما هي أسباب الغزوات التي خاضها النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

كما هو معلوم، يمكن الحديث عن أسباب كثيرة للحروب. وبحسب ما توصلنا إليه، فإن غزوات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت لأسباب وحِكم متعددة، منها ما يلي:

  • إظهار القوة والردع

بعض الغزوات، خاصة السرايا التي سبقت غزوة بدر، كانت تهدف إلى إيصال رسالة واضحة للمشركين واليهود الذين كانوا يضمرون العداء للإسلام في المدينة، وأيضًا لقريش التي كانت تتربص بالمسلمين، بأن المسلمين أصبحوا قوة لا يُستهان بها. كما هدفت هذه الغزوات لتأمين حرية تبليغ الدعوة، وحماية الوجود الإسلامي من الاعتداءات.

لقد كانت تلك السرايا وسيلة لإثبات وجود المسلمين وقوتهم، وكسر الحواجز التي تعترض طريق الدعوة. ونظرًا لهيمنة منطق القوة آنذاك، حيث كان القوي هو صاحب الحق، والضعيف لا يُسمح له بالحياة، اضطر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إرسال سرايا عسكرية لضمان الأمن في المنطقة. ومن أمثلة ذلك: سرايا سيف البحر، رابغ، وغزوات الأبواء، بُواط، حمراء الأسد، وبدر الصغرى.

  • قطع الموارد المالية للمعتدين

كانت بعض الغزوات تهدف إلى السيطرة على الطرق التجارية لقريش، التي كانت تستخدم أموال المسلمين الذين تركوها عند هجرتهم من مكة، في تجهيز الجيوش لقتال المسلمين. فكان الهدف من السيطرة على تلك القوافل إضعاف المشركين اقتصاديًا.

وقد نُفذت هذه الغزوات لأن النشاط الاقتصادي لقريش كان يعتمد بشكل شبه كلي على التجارة، لا سيما القوافل المتجهة نحو الشام، والتي كانت تمر بالقرب من المدينة. لذلك تم تتبعها لحماية المسلمين من أضرارها. ومن الأمثلة: سرايا سيف البحر، رابغ، حرار، نخلة، قردة، وعِيص.

غزوة بدر جاءت أساسًا لمنع قريش من استخدام أرباح قافلتها في الحرب، وغزوة أحد كانت ردًا على هزيمتهم في بدر، حيث جُهزت بتمويل من قافلة أبي سفيان.

  • الدفاع ضد الهجمات

على الرغم من أن جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم كانت ذات طبيعة دفاعية من حيث الهدف، فإن القليل منها كان دفاعيًا من حيث الاستراتيجية الحربية. بعض الغزوات جاءت ردًا مباشرًا على اعتداءات على المسلمين أو أراضيهم، مما استدعى الدفاع المشروع.

القرآن الكريم أباح القتال في حال التعرض للاعتداء، واشترط أن يكون القتال قائمًا على مبررات شرعية. الفترة بين بدر والخندق شهدت جهودًا دفاعية ضد مشركي مكة ويهود المدينة. وقد تبيّن لاحقًا أن التحصينات الدفاعية ضد اليهود الذين خانوا العهود كانت ذات أهمية حيوية، كما حدث أثناء غزوة الأحزاب، حيث كادت خيانة يهود بني قريظة أن تؤدي إلى كارثة.

  • جمع المعلومات عن العدو

نُفّذت بعض السرايا لغرض جمع المعلومات عن العدو المتربص بالمسلمين. فقد كان واجبًا على المسلمين البقاء دائمًا على استعداد. وبعد تأمين المدينة، بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة تحالفات مع القبائل المحيطة لمراقبة قريش. وكانت السرايا الأولى تهدف إلى الاستطلاع والمراقبة والسيطرة على المواقف السياسية والاقتصادية للأعداء.

أُرسلت وحدات استكشافية قبل المعارك للحصول على معلومات عن تحركات العدو وعددهم وخططهم، نظرًا لأن المسلمين كانوا أقل عددًا حتى فتح مكة. ومن هذه السرايا: نخلة،والسرية الأولى من ذي القصة، و سرية وادي القرى، والسرية الثانية من جناب، وحنين، وسرية عبد الله بن رواحة، وخيبر.

  • معاقبة خيانة العهود

انتهاك المعاهدات يُعد جريمة في العلاقات الدولية. في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إخلال الطرف الآخر بالعهود سببًا مباشرًا لبعض الغزوات، مثل نقض وثيقة المدينة أو صلح الحديبية.

النبي صلى الله عليه وسلم كان ملتزمًا التزامًا صارمًا بالعهود، كما ظهر في موقفه مع أبي جندل بعد توقيع صلح الحديبية، حيث قال له:

"يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك الأمان، وإنّا لا نغدر بهم."

ومع أن الحرب مع قريش توقفت بعد صلح الحديبية، فإنهم نقضوا العهد، مما اضطر النبي صلى الله عليه وسلم للسير إلى مكة. وبالمثل، فإن الحروب مع يهود المدينة كانت بسبب خيانتهم للتحالف مع المسلمين ومساندتهم للمشركين، رغم وجود بند صريح في الوثيقة يمنع ذلك.

بالتالي، كانت غزوات بني قينقاع، بني النضير، وبني قريظة، وكذلك فتح مكة، نتيجة مباشرة لنقض العهود والخيانة.

  •  معاقبة الغارات والسلب

تعرض المسلمون لغارات على مواشيهم وممتلكاتهم، وأُستشهد بعضهم خلال هذه الاعتداءات. وكان من الضروري ردع هذه القبائل. الدفاع عن النفس والمال عند التعرض للغزو يُعد مشروعًا، ولا يُعد خسارة الأنفس أو الممتلكات خلاله جريمة في الشريعة.

من السرايا والغزوات التي وقعت بسبب هذه الهجمات: حرار، الثانية من ذي القصة، طريف، فزارة، عُكل وعُرينة، بني قريظة، سفوان (بدر الأولى)، السويق، ودومة الجندل.

  • منع العدو من كسب الحلفاء

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا دائمًا على السلام والتفاهم. رغم طرد قريش له من مكة، سعى في المدينة إلى عقد تحالفات مع قبائل متعددة، لا سيما تلك التي تقع على طرق تجارة قريش، لمنعها من الانضمام إلى المشركين، وإيجاد أرضية للسلام.

غزوات الأبواء وذو العشيرة جاءت لتطبيق هذه الاتفاقات، وكان هدفها الحيلولة دون دخول تلك القبائل في صفوف العدو قبل أن يسبقهم النبي صلى الله عليه وسلم بعقد العهود.

  •  التحرك بعد تلقي أخبار عن نية الهجوم

جزء كبير من الغزوات والسرايا وقعت بعد ورود معلومات استخباراتية مؤكدة عن نية قبيلة أو تحالف قبائل مهاجمة المسلمين. الانتظار في هذه الحالة كان يعني السماح للعدو بتوجيه الضربة الأولى. لذلك بادر النبي صلى الله عليه وسلم بالتحرك.

وكانت الأخبار الاستخباراتية الموثوقة بشأن خطط العدو، سببًا مشروعًا لشن الحرب. من هذه الحملات: الأولى من ذي القصة، قرقرة الكدر ، بحران، دومة الجندل، المُريسيع، وادي القرى، تُرُبة، نجد (هوازن)، ، جناب، ذات السلاسل، بنو بكر، سرية عبد الله بن رواحة، خيبر، غابة، سرية قطبة بن عامر، غطفان، قَطَن، ذات الرقاع، حنين، الطائف، خيبر، فدك، وحملة تبوك.

وعند النظر إلى عدد هذه الغزوات والسرايا، نجد أن أغلبها قد تم بعد تلقي معلومات عن نية العدو بالهجوم.

  •  مساعدة المسلمين المظلومين
    بعض الحروب شُنَّت بهدف إنهاء الضغط والاضطهاد الذي كانت تمارسه بعض القبائل ضد المسلمين بسبب عقيدتهم، وضد حرية الدين والمعتقد. لقد حوَّل بعض الأفراد والقبائل الذين كانوا يكنّون العداء للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام) والمسلمين، هذا العداء إلى أفعال كلما سنحت لهم الفرصة، بل إن ذلك تجلى أحيانًا في شكل اضطهاد للمسلمين الذين يعيشون كأقليات داخل دول أخرى.

وقد حمّل القرآن المسلمين مسؤولية إزالة هذا الظلم بكل ما أوتوا من قوة، حيث قال تعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}(النساء:75)

وقد يُفهم من هذه الآية أن القتال لمساعدة المستضعفين المظلومين مشروع. ومثال على تطبيق هذا التوجيه، هو تدخل النبي صلى الله عليه وسلم عسكريًا لمساعدة قبيلة خزاعة ضد اعتداءات قريش، في فترة صلح الحديبية. كما أن سرية بئر معونة، وغزوة دومة الجندل، كانت من التدخلات العسكرية التي قام بها النبي (صلى الله عليه وسلم) لنصرة المسلمين الذين تعرضوا للظلم.

 

  •  إزالة العوائق أمام الدعوة
    الدعوة إلى الإسلام كانت المهمة الأصلية للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين، وكان الهدف إيصال اسم الله إلى جميع العالم في ظل السلام. وحتى في أوقات الحروب التي فرضها العدو، لم يتم التغافل عن واجب الدعوة.

وبهذا الهدف، أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) وفودًا دعوية إلى القبائل والدول المجاورة. وعند فحص أسباب بعض الغزوات أو السرايا، يتبين أنها حدثت بسبب تعرض تلك الوفود للهجوم، مما أدى إلى قيامهم بالدفاع عن النفس. أي أن الحرب لم تكن بسبب رفض الطرف الآخر للإسلام، بل بسبب اعتدائه على المسلمين.

لذلك، لم يكن الهدف من هذه الحروب إجبار الناس على الدخول في الإسلام، بل إزالة الحواجز التي تمنع إيصال رسالة الإسلام. من بين هذه السرايا:

  • سرية ذات أطلاح بقيادة كعب بن عمير
  • سرية ذات السلاسل بقيادة عمرو بن العاص
  • سرية دومة الجندل بقيادة عبد الرحمن بن عوف
  • وسرية جزيمة بقيادة خالد بن الوليد.

كما أن وفدًا دعويًا بقيادة ابن أبي العوجاء أُرسل إلى قبيلة بني سليم الذين قالوا له قالوا له:" لا حاجة لنا فيما جئتنا به ". ثم هاجموه وأصحابه وقتلوا الجميع إلا هو.

وقد تعرضت وفود أخرى، أُرسلت لأغراض دعوية بحتة، للغدر والقتل مثل:
الرجيع، بئر معونة، بني سليم، ذات أطلاح، ذات السلاسل، جزيمة، عمان، البحرين، دومة الجندل، وغيرها.

وقد كان بعض الذين طلبوا إرسال هذه الوفود قد تعهدوا بحمايتهم، لكنهم خانوا العهد وقتلوا الوفود. فكانت هذه الجرائم هي سبب بعض الغزوات والسرايا، مثل:
ذات الرقاع، الجموم، ميْفاء، بنو عامر، سيف البحر الثانية، وخيبر.

 

  • معاقبة الإساءة إلى الرسل وقتلهم
    بعد صلح الحديبية، أرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) رسائل دعوة إلى حكام الدول المحيطة. وقد استجاب بعضهم بشكل إيجابي، في حين قابل البعض الدعوة بازدراء شديد، بل وتعرضوا للرسل بالإهانة أو القتل.

وفي حين أن الرسل والسفراء يتمتعون بحصانة دبلوماسية في كل العصور، فإن هؤلاء تعرضوا للقتل أو السخرية أو النهب. وقد كانت هذه الأفعال تُعد جريمة في كل الأنظمة القانونية. ومن السرايا والغزوات التي كانت ردًّا على هذه الإساءات:
حِمص، بني قريظة، بنو قرطاء، ومعركة مؤتة.

 

  • الرد على إعلان الحرب من قبل العدو
    كان من بين أسباب غزوات النبي (صلى الله عليه وسلم) الرد على إعلان الحرب من قبل العدو. إذ أن السكوت على هذا الإعلان كان سيُشجّع العدو على التمادي في عدوانه.

ومثال على ذلك: غزوة بدر الصغرى.
فبعد أن خسر النبي (صلى الله عليه وسلم) معركة أُحد من جانب واحد، تحداه أبو سفيان للقاء في بدر في العام التالي. وقَبِل النبي هذا التحدي، وتوجه بجيشه إلى بدر، لكنه لم يجد أحدًا لأن أبا سفيان قد عاد إلى مكة بحجة وجود مجاعة.

وهكذا يتضح أن هذه الغزوة كانت ردًّا مباشرًا على إعلان الحرب من قبل أبي سفيان.

الخلاصة
يتبين من تحليل أسباب غزوات النبي (عليه الصلاة والسلام) أن هذه الحروب وقعت لأسباب متنوعة، وكلها قائمة على مبررات شرعية. وبالتالي، لم يقم النبي بأي عدوان عسكري غير مبرر.

ومن خلال استقراء مبادئ الإسلام المستمدة من القرآن والسنة، نجد أن الأصل في العلاقات الدولية هو السلام، والحرب هي حالة اضطرارية تُفرض على المسلمين في حالات خاصة، كالدفاع عن النفس، أو حماية المستضعفين، أو إزالة العوائق أمام التبليغ.

ويمكن القول إن مبررات النبي (صلى الله عليه وسلم) في حروبه تصلح لتكون معيارًا لتحديد مشروعية الحروب في كل زمان، بما في ذلك زمننا الحالي.

 

 

 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد