حكمة تعدد زوجات النبي

تفاصيل السؤال

ما هي الحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

دعونا نبدأ ببحث هذا الموضوع من زاوية شخصيته الطاهرة. قبل كل شيء، يجب أن يُعلم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كان في قمة مكارم الأخلاق، لم يتزوج حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره. وإذا أخذنا بعين الاعتبار خصوصية المناخ الحار في تلك البلاد، فإن محافظته على عفته طوال تلك الفترة، واعتراف الناس بذلك في الماضي والحاضر، يدلّ بوضوح على أن العفة كانت من أهم صفاته، وأنه كان يتحلى بإرادة عظيمة وتحكم قوي في شهواته. ولو كان قد وقع منه خطأ بسيط في هذا المجال، لما تردد أعداؤه في الماضي والحاضر عن نشر ذلك على الملأ. ومع أن هؤلاء الأعداء اتهموه بأشياء لا تُصدَّق، إلا أنهم لم يجرؤوا على أن يقولوا شيئًا في هذا الجانب.
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أول مرة عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، وكانت هذه الزيجة - بنظر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - زواجًا عظيمًا واستثنائيًا. لكنها كانت من امرأة تبلغ من العمر أربعين عامًا، وكانت قد تزوجت مرتين من قبل. واستمر هذا الزواج السعيد ثلاثًا وعشرين سنة كاملة، ثم انتهى في السنة الثامنة من البعثة النبوية، مخلفًا وراءه ألم الفقد ومرارة الحنين. وبعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى حياة الوحدة، كما كان قبل زواجه، وظل أعزب مرة أخرى قرابة أربع أو خمس سنوات. وكان حينها قد بلغ من العمر ثلاثًا وخمسين سنة.
ومن هنا، تبدأ باقي زيجات النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا السن، أي في مرحلة يقل فيها تعلق الإنسان بالزواج والنساء. وفي بلد حار مثل الحجاز، لا يمكن من الناحية العقلية أو العادلة أن تُفسَّر هذه الزيجات بدوافع إنسانية أو شهوانية، لأن ذلك لا ينسجم مع العقل ولا مع العدل.
وتجدر الإشارة إلى نقطة أخرى، وهي أن النبوة نفسها قد اقتضت تعدد الزواج لدى النبي صلى الله عليه وسلم:

أ- أولًا، يجب أن يُعلم أن الذين يثيرون هذه المسألة هم إما أشخاص لا يؤمنون بأي دين أو مبدأ، وهؤلاء لا يملكون الحق في إدانة هذا الأمر، لأنهم أنفسهم لا يتقيدون بأي قانون أو مبدأ، ويقيمون علاقات مع عدد كبير من النساء دون ضوابط، بل قد يبيحون حتى الزواج من المحارم. أو أن هؤلاء من أتباع أديان أخرى قائمة على كتب معينة، وهجومهم في الغالب يكون غير منصف، مليئًا بالحقد، وغير مبني على بحث أو تفكير، وهو أمر يبعث على الأسف من جهتهم هم أنفسهم.
لأن في كتبهم، بل وفي سِيَر أنبيائهم الذين يؤمنون بهم، هناك أنبياء عظام تزوجوا بعدد كبير من النساء، وكان لهم زيجات كثيرة. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى النبيين سليمان عليه السلام وداود عليه السلام، فإن أتباعهم يظهرون بوضوح أنهم غير منصفين في الاعتراض على هذا الأمر. إذًا، لم يكن تعدد الزوجات شيئًا ابتدعه نبينا صلى الله عليه وسلم، كما أن تعدد الزوجات ليس مخالفًا لروح النبوة. بل كما سيتضح لاحقًا، فإن لهذا التعدد فوائد كثيرة تتجاوز ما يمكن تصوره من الناحية النبوية والعملية.
نعم، إن تعدد الزوجات يكون في بعض الأحيان ضروريًا خصوصًا للأنبياء الذين يأتون بشريعة جديدة. لأن هناك كثيرًا من جوانب الدين تحصل داخل محيط الأسرة وفي خصوصيات الحياة الزوجية، ولا يمكن أن يُنقل هذا العلم بدقة إلا من خلال زوجة النبي نفسها. ولتوضيح هذه الجوانب من الدين دون حاجة إلى تعبيرات غامضة أو تلميحات – التي قد تصعّب الفهم والتطبيق – يكون من الضروري أن تكون هناك نساء معلمات (مرشدات) قادرات على بيان هذه الأمور بوضوح كامل.
وهكذا، فإن زوجات النبي الطاهرات، اللواتي كنّ يعشن في بيت النبوة، كنّ بمثابة معلمات وناقلات لرسالة الإسلام إلى النساء، ومن هذا المنطلق، فإن وجودهن كان ضروريًا، بل لا غنى عنه، سواء للنبي نفسه، أو للنبوة كرسالة، أو لعالم النساء عامة.

ب- مسألة أخرى تتعلق عمومًا بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:

1. نظرًا لتنوع أعمار زوجاته بين كبيرات في السن، ومتوسطات، وصغيرات، فقد أمكن من خلالهن استنباط أحكام شرعية متعددة تتعلق بمراحل الحياة المختلفة. وبفضل وجود هؤلاء الزوجات الطاهرات في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كان بالإمكان تطبيق هذه الأحكام عمليًا.

2. ولكون كل زوجة من قبيلة مختلفة، فقد نشأت أولًا أواصر المحبة بين تلك القبائل والنبي صلى الله عليه وسلم، ثم في جميع الجماعات التي صار بينها وبينه صلة نسب. فكل قبيلة كانت تعتبر النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا منها، وتربطها به علاقة عاطفية وقرابة نسبية بالإضافة إلى الصلة الدينية.

3. وكل امرأة من تلك القبائل كانت تصبح بعد زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم مصدرًا هامًا لخدمة الدين، سواء في حياته أو بعد وفاته. فكانت تقوم بدور الناقلة الأمينة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام الدين، فتبلغها لأقاربها البعيدين والقريبين. وهكذا كانت قبائلهن – رجالًا ونساء – يتعلمون منه صلى الله عليه وسلم القرآن والتفسير والحديث، ويطلعون على روح الإسلام من خلاله.

4. ومن خلال هذه الزيجات، أصبح النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه قد أقام صلة قربى مع كل أرجاء جزيرة العرب، وصار ضيفًا مألوفًا في بيوت الناس كافة. فصار بإمكان الجميع أن يقتربوا منه، ويتعلموا منه أوامر الدين. وفي الوقت نفسه، كانت كل قبيلة من هذه القبائل تشعر أنها الأقرب إليه وتفخر بذلك.

ج- ما سبق كان يتعلق بالجوانب العامة، وبعضها يشمل أنبياء آخرين أيضًا. والآن ننتقل إلى الجوانب الخاصة، وننظر في الخصائص الفردية لكل زوجة من زوجاته صلى الله عليه وسلم:
نعم، سنرى هنا أيضًا أن العقل البشري يتضاءل أمام حياة ذلك النبي المباركة، التي ساندها الوحي. وبعبارة أخرى، فإن التفكير البشري ينحني خاشعًا أمام هذا العقل النبوي الذي يسير في ظل الوحي.

1. أول زوجاته كانت السيدة خديجة رضي الله عنها. تزوجها وهي تكبره بخمس عشرة سنة. وكان زواجه بها نموذجًا عظيمًا يُحتذى به في كل زيجة. وقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم طوال حياته وفيًّا لها، مخلصًا لذكراها العزيزة، فلم ينسها بعد وفاتها قط، وكان دائم الذكر لها في كل مناسبة.
وبعد وفاتها، لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم لمدة أربع أو خمس سنوات، مع أنه كان يعول العديد من الأيتام، فقام برعايتهم، وكأنه يؤدي دور الأم والأب في آنٍ واحد. ولو كان لديه ميل شخصي نحو النساء كما يدعي البعض، هل كان سيتصرف بهذا الشكل؟!

2. ثاني زوجاته – وإن لم تكن حسب الترتيب الزمني – كانت عائشة الصديقة رضي الله عنها. وهي ابنة أحبّ أصحابه إليه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه. لقد كانت مكافأة نبوية عظيمة أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسرة بهذه الزيجة.
وقد نالت السيدة عائشة، وأبوها رضي الله عنهما، شرف القرب المادي والمعنوي الكامل من النبي صلى الله عليه وسلم. وكانت هي نفسها ذكية، فريدة، مهيأة لأن تكون وارثة للرسالة النبوة، و مثال للعلم والدعوة.
لقد كانت محدّثة، ومفسّرة، وفقهية، استوعبت جميع جوانب حياة النبي صلى الله عليه وسلم.فكانت زوجة ومعلمة وداعية في آنٍ واحد.

3. أما الزوجة الثالثة – وإن لم تكن أيضًا حسب الترتيب الزمني – فهي أم سلمة رضي الله عنها. وهي من بني مخزوم، ومن أوائل من أسلموا، وقد عانت كثيرًا في مكة، ثم هاجرت إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وكانت من السابقين الأولين.
وكان معها زوجها الذي شاركها هذه الرحلة الشاقة الطويلة، وكان في نظرها رجلاً لا يُعوّض. وبعد أن توفي زوجها أبو سلمة في المدينة، بقيت مع أطفالها وحيدة، تتحمل مشاق الحياة، بعيدة عن أهلها ووطنها، مثقلة بأعباء الأرامل.
وقد تقدم لخطبتها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، لكنها رفضتهما، لأنها لم ترَ في أحد بديلًا لزوجها الراحل، الذي كان في نظرها لا يُضاهى.
وأخيرًا، تقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه لخطبة أم سلمة، وكان هذا الزواج طبيعيًا للغاية، إذ إن هذه المرأة الفريدة التي لم تبخل بشيء في سبيل الإسلام والإيمان، وكانت قد عاشت طويلًا في أحد أشرف بطون العرب، قد أصبحت الآن وحيدة لا يمكن أن تُترك للتسول. خاصة إذا نظرنا إلى ما تحمّلته من أجل الإخلاص والصدق والدين، فإنه كان لا بد أن يُمدّ لها يد العون. وهكذا، حين ضمّها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصمته، كان هذا بمنزلة مدّ يد الرعاية إليها.
نعم، ما فعله كان استمرارًا لنهجه منذ شبابه: رعاية اليتامى والمحتاجين، لكن بما تقتضيه ظروف ذلك الزمن.
وكانت أم سلمة كـعائشة رضي الله عنها: ذكية، ذات قدرات ومؤهلات علمية، تحمل صفات المعلّمة والداعية. لذا، من جهة كانت يد الرحمة تأويها وتحميها، ومن جهة أخرى كانت تُقبَل في مدرسة العلم والدعوة كطالبة سيكون لها فضل كبير ستشكرها عليه النساء إلى يوم القيامة.
وإلا، فكيف يمكن تفسير زواج النبي صلى الله عليه وسلم – وهو في نحو الستين من عمره – من امرأة أرملة لها أبناء كثيرون؟ كيف نفسّر ذلك إلا بأنه محض رحمة وعطاء؟! أما أن يُنسب ذلك إلى شهوة أو حب للنساء، فذلك مما لا يقبله عقل ولا منطق، قطعًا وجزمًا!

4. ومِن زوجاته أيضًا: رملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة) رضي الله عنها.
ابنة رجل كان لوقت طويل رمزًا للكفر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته... لكنها كانت من أوائل من أسلم ووقف في الصف الأول، وهاجرت إلى الحبشة، وهناك رأت من المصائب ما يعجز عنه الوصف: فقد ارتدّ زوجها واعتنق النصرانية، ثم مات، فترمّلت في الغربة.
وكان الصحابة آنذاك قليلين عدداً وفقيرين مالاً، ولم يكن أحد منهم قادرًا على إعالتها أو مشاركتها أعباء الحياة. فما الذي يمكن لأم حبيبة أن تفعله؟ إما أن تغيّر دينها وتلجأ إلى النصارى، أو تعود إلى بيت أبيها – دار الكفر – أو تبدأ بالتسوّل على الأبواب. وكل تلك الخيارات لا تليق بهذه المرأة المؤمنة العفيفة. لم يكن هناك حلّ إلا أن يتدخل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
وهكذا، تم زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم في حضرة النجاشي، وكان هذا من أوجب مقتضيات الرحمة. فبدلاً من استنكار هذا الزواج، كان يجب أن يُحتفى به ويُصفّق له، لأنه تطبيق عملي لوصفه صلى الله عليه وسلم بـ {رحمة للعالمين}.
ثم إن هذه المرأة العظيمة، كأمثالها، كانت تملك طاقات هائلة يمكن أن تسهم بها في حياة المسلمين، رجالاً ونساءً. فدخلت بيت النبوة زوجةً وطالبةً، وتحوّلت إلى منارة علم وهداية.
وبهذه الزيجة، أصبح أبو سفيان وأسرته يدخلون بيت النبي صلى الله عليه وسلم بلا تكلّف، ما ساعد على تقارب القلوب، وتغيير النظرة، وتليين المواقف. وليس أبو سفيان فقط، بل كل بني أمية تأثروا بهذا الزواج، حتى يمكن القول إن هذه الأسرة، التي عُرفت بغلظتها وانغلاقها، قد لانَت وسهُل مدخلها إلى الخير ببركة هذا الزواج.

5. ومِمَن دخلن بيت السعادة أيضًا: زينب بنت جحش رضي الله عنها.
امرأة شريفة النسب، عميقة الروح، قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم، نشأت بجواره. حين خطبها النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه، ترددت أسرتها، ثم أبدت رغبة في تزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن النبي أصرّ على تزويجها لزيد.
وكان زيد رضي الله عنه مملوكًا سابقًا، أعتقه النبي صلى الله عليه وسلم وتبنّاه. وأراد النبي من خلال هذا الزواج أن يرسّخ مبدأ المساواة بين الناس، وأن يبدأ بذلك بأقرب الناس إليه. لكن، زينب ذات الفطرة الرفيعة، وإن أطاعت الأمر، لم تستطع الاستمرار في هذا الزواج، فكان مليئًا بالمعاناة لكلا الطرفين.
وبعد فترة، وقع الطلاق، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حاول جهده أن يثني زيدًا عن ذلك. وفي هذه اللحظة، نزل الأمر الإلهي بواسطة جبريل عليه السلام بأن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب.
وكان هذا ابتلاءً عظيمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان أول من يُكسر به عرفٌ قديمٌ راسخ في الجاهلية: أن زوجة الابن بالتبني كأنها محرّمة كزوجة الابن الحقيقي. وكان هذا الزواج إعلان حرب على ذلك الموروث، ولم يكن ليقع إلا بأمر إلهي صريح.
وقد عبّرت عائشة رضي الله عنها عن مدى صعوبة الأمر بقولها: "لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي لكتم هذه الآيات"، في إشارة إلى ما نزل في سورة الأحزاب عن زواج النبي من زينب.
لكن، كانت الحكمة الإلهية تريد أن تُدخل هذه المرأة الطاهرة بيت النبوة، لتكون منارات العلم والإرشاد والدعوة. وهو ما حدث بالفعل، فقد عاشت حياة نزيهة كزوجة نبي، ملتزمة بأعلى درجات الأدب.
كما أن هذا الزواج جاء لإلغاء عادة جاهلية، كانت تعتبر المتبنى كابن حقيقي، ويُحرم زواجه من زوجة الابن بالتبني. فأنزل الله قوله:
{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ }(الأحزاب: 4).

6. و ايضاً مِمَن دخلن بيت السعادة: جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
كانت من قوم حُوربوا، وأُسر رجالهم ونساؤهم، وكانت أميرة من بيت ملوك، حطّم الأسر كبرياءها، وملأ قلبها غضبًا.
فلما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كانت مشاعرها في غاية الاضطراب. وهنا، تصرّف النبي صلى الله عليه وسلم بحكمة شديدة، وطلب الزواج منها، فارتفع شأنها إلى أن أصبحت "أم المؤمنين"، وأصبحت محل احترام الصحابة جميعًا.
ولما قال الصحابة: "لا نأسر أقارب النبي"، أطلقوا سراح من عندهم من الأسرى، فتحوّل موقف قومها تمامًا، وانقلبت العداوة إلى محبة، وأُسّس للسلام بدلًا من الصراع.
وهكذا، حتى في سن الستين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذه الزيجات، يحلّ أعقد المشاكل الاجتماعية والقبلية والدينية، وينشر الأمن والسلام في مجتمع مليء بالاضطرابات.

7. ومن النساء اللواتي نلن شرف الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم: صفية بنت حيي (رضي الله عنها).
كانت ابنة أحد أمراء خيبر. في غزوة خيبر المشهورة، قُتل والدها، وأخوها، وزوجها، وأُسر قومها. كانت صفية (رضي الله عنها) تمتلئ غضبًا وحقدًا، وتحترق برغبة في الانتقام. لكن عندما عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها النكاح، وارتفعت إلى مقام "زوجة النبي" الذي يكنّ له المؤمنون كل الاحترام، تغيّر كل شيء. إذ رأى الصحابة (رضي الله عنهم) يحيطون بها بالاحترام، وتأثرت بسموّ خلق النبي صلى الله عليه وسلم وروحه الطاهرة التي تذيب القلوب، فنست كل ما جرى، وبدأت تفتخر بكونها زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها أتاح لكثير من اليهود أن يروا النبي صلى الله عليه وسلم عن قرب، ويعرفوه على حقيقته، ما مهّد لتليين قلوبهم. فالله سبحانه وتعالى، الذي يخلق من كل أمرٍ حكمًا ومنافع كثيرة، جعل من هذا الزواج – كما في غيره – خيرًا كثيرًا.
ومن جهة أخرى، يمكننا أن نستشف من هذا الزواج تعليمًا للأمة حول أهمية معرفة أحوال العدو من الداخل، فزواج النبي صلى الله عليه وسلم من نساء من قوم آخرين، كالصفية، قد يكون له دور كبير في فهم الأعداء من الداخل، بشرط أن تُؤمن المرأة، وألا يُؤتمن الخائن على الأسرار.

8. ومن النساء المباركات اللواتي تشرّفن بدخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم: سودة بنت زمعة (رضي الله عنها).
كانت من الأوائل الذين أسلموا، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة، ثم ترمّلت بعد وفاة زوجها، ووجدت نفسها وحيدة بلا معين، على غرار ما حصل مع أم حبيبة.
فمدّ لها النبي صلى الله عليه وسلم يد العون، وجبر كسر قلبها، وضمّها إلى عصمته. ولم تكن سودة تطلب من الدنيا شيئًا سوى أن تكون في كنف النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا، يتضح أن كل زواج للنبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل حكمة ومصلحة، ولم يكن لأي منها دافع نفسي أو شهواني. بل كما كان يربط نفسه بأبي بكر وعمر عبر مصاهرة بناتهم، كان أيضًا يختار النساء لِما يراه فيهن من كفاءة واستعداد لخدمة الدين، أو لحكمة اجتماعية أو سياسية.
والمعجزة لا تقف عند هذا الحد، بل تتجلى كذلك في قدرته صلى الله عليه وسلم على توفير السكن والغذاء والكسوة لعدد كبير من الزوجات، بأعدل صورة ممكنة، ومعاملة كل واحدة بعدل بالغ ودقة عظيمة، مانعًا لأي خلاف قد ينشأ بينهن، أو معالجًا إياه بلين وسهولة.
كما قال برنارد شو: "ذلك الرجل الاستثنائي الذي يحلّ أعقد المشكلات بيسر شرب فنجان قهوة."
فإذا كنا نحن نعلم كم هو صعب إدارة بيت فيه امرأة واحدة وطفلان، فكيف بهذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم الذي استطاع إدارة بيوت متعددة، فيها نساء جئن من خلفيات وطبائع مختلفة، ومع ذلك سادها الانسجام كأنها قصيدة موزونة.
ولا يبقى سوى نقطة واحدة مهمة: وهي أن عدد زوجاته كان أكثر مما أُبيح لأمته.
لكن هذا كان حكمًا خاصًا به صلى الله عليه وسلم، ينطوي على حكم ومصالح نعلم بعضها ونجهل كثيرًا منها. فلفترة أُعطي الإذن بالزواج دون تحديد عدد، ثم نزلت الآية التي وضعت الحد وأوقفت ذلك: { لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ }(الأحزاب: 52).

9. ومن زوجاته أيضًا: حفصة بنت عمر بن الخطاب (رضي الله عنها).
هي أم المؤمنين، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنة الفاروق عمر رضي الله عنه. وُلدت حفصة قبل البعثة النبوية بخمس سنوات. كانت أمها زينب بنت مظعون، أخت الصحابي الجليل عثمان بن مظعون.
لا يُعلم بالتحديد متى أسلمت حفصة، لكن يُرجّح أنها أسلمت مع أبيها عمر، حيث أسلم بعده معظم أفراد أسرته.
تزوجت حفصة أولًا من خُنيس بن حُذافة السهمي، وهو من المهاجرين إلى الحبشة. وتُشير بعض الروايات إلى أن حفصة رافقته في تلك الهجرة، ثم رجعا إلى المدينة.
شارك زوجها في غزوة أحد وأُصيب فيها إصابة خطيرة، أدت إلى استشهاده لاحقًا في المدينة، واهتمت حفصة بجراحه بنفسها، وحزنت عليه حزنًا شديدًا.
عندها، حاول عمر رضي الله عنه أن يزوجها لرجل صالح، 
كما في الحديث أن عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قال:[أتَيْتُ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ، (الذي كان قد فقد زوجته رقيّة بنت النبي صلى الله عليه وسلم) فَعَرَضْتُ عليه حَفْصَةَ، فَقالَ : سَأَنْظُرُ في أمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي، فَقالَ: قدْ بَدَا لي أنْ لا أتَزَوَّجَ يَومِي هذا، قالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَقُلتُ: إنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أبو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شيئًا، وكُنْتُ أوْجَدَ عليه مِنِّي علَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأنْكَحْتُهَا إيَّاهُ]
ففرح عمر فرحًا شديدًا، وكان يتمنى هذا القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يجرؤ على عرض الأمر بنفسه، لعلمه أن حفصة – كما قالت عائشة – "كانت كأبيها"، أي شديدة وقوية الشخصية. لكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا الزواج أن يكافئ عمر، ويقرّبه إليه، ويُشجعه على خدمته للدين.
تم الزواج في السنة الثالثة من الهجرة، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم مهرًا قدره 400 درهم .
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، عاشت حفصة حياةً زاهدة بسيطة، وروت نحو 60 حديثًا، بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وبعضها عن والدها عمر.
كانت تجيد القراءة والكتابة، وتوفيت سنة 45 هـ على الأرجح، وقيل: سنة 41 هـ، 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد