الهدف من العقوبة في الشريعة الإسلامية؟
لماذا يُعاقب المذنب في الإسلام؟ وما هي غايات العقوبة في الشريعة الإسلامية؟
أضافه في اثنين, 21/04/2025 - 09:05
الأخ / الأخت العزيز,
شهد مفهوم العقوبة عبر التاريخ تصورات مختلفة، وتحددت غاياتها في ضوء هذه التصورات. ففي الغرب، وحتى القرن الثامن عشر تقريباً، كانت غايات العقوبات تتركز على الردع والانتقام والتشهير. فكان من الشائع آنذاك استخدام أساليب عقابية قاسية مثل الحرق، الصلب، بتر الأعضاء، كسر العظام، والكيّ بالحديد الساخن.
ولم تكن هناك مناسبة بين الجريمة والعقوبة؛ فالعقوبة بالإعدام، مثلاً، كانت تُطبّق أحياناً على أبسط الجرائم. ففي القانون الإنجليزي، حتى القرن الثامن عشر، طُبّقت عقوبة الإعدام على نحو 200 جريمة، أما في القانون الفرنسي فقد بلغت 215 جريمة، وكانت غالبية هذه الجرائم من النوع البسيط.
ومع مرور الزمن، بدأ الانتقام الفردي يُستبدل بهدف الانتقام المجتمعي أو الإلهي. فالانتقام المجتمعي كان يهدف إلى الردع والتخويف، أما الانتقام الإلهي فكان يستهدف تحقيق الكفّارة عن الذنب. وبدءاً من القرن الثامن عشر، بدأ المفكرون الغربيون يرفضون فكرة الانتقام في العقوبات، وحاولوا وضع أهداف بديلة لها.
غايات العقوبة في الإسلام
إن الغاية من العقوبة في الشريعة الإسلامية ليست الظلم أو التعذيب أو الانتقام من الجاني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبعث لنشر الرعب أو الاستبداد، بل أرسله الله رحمةً للعالمين.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)
وبحسب النصوص الدينية (الآيات والأحاديث) وأقوال المجتهدين، فإن الغايات التي تتبعها العقوبة في الإسلام هي كما يلي:
1- الردع العام (الوقاية العامة)
تقوم العقوبات في الشريعة الإسلامية على مبدأ الردع والإعجاز، أي منع وقوع الجريمة قبل حدوثها من خلال الترويع والعبرة. ولذلك تُنفَّذ العقوبات علناً أمام الناس، لأن العلنية في العقوبة تؤثر في نفس الإنسان وتردعه.
فالردع العام يتحقق بأفضل صورة عند تنفيذ العقوبة على الملأ، حيث تبقى مشاعر الخوف من العار والإهانة الاجتماعية حاضرة في النفوس، مما يثني الكثيرين عن ارتكاب الجرائم.
2- الردع الخاص (الإصلاح الفردي)
من مقاصد العقوبة في الإسلام إصلاح المذنب وتهذيب سلوكه الأخلاقي، بحيث يُصبح إنساناً صالحاً لا يعاود ارتكاب الجريمة.
فالعقوبة في الإسلام تشبه تأديب الوالد لابنه أو علاج الطبيب لمريضه، لا تهدف إلى الانتقام بل إلى الإصلاح.
3- الكفّارة
العقوبة تُعدّ كفّارة عن الجريمة، وهي مطلب من مطالب العدالة المطلقة. فعند تنفيذ العقوبة، يتم تحقيق الكفّارة عن الذنب، ويُشبع شعور المظلوم بالعدالة، ويسود الأمن في المجتمع.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[حدٌ يقام في الأرض خير للناس من أن يمطروا ثلاثين أو أربعين صباحاً](مسند أحمد)
ويقول القرآن الكريم:
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى: 40)
إذًا، العقوبة المكافئة للجريمة تُعدّ عدلاً، غير أن العفو من المظلوم له أجره الخاص عند الله.
كذلك يجب أن تكون العقوبة مناسبة للجريمة، إذ إن العقوبة إذا كانت أشد من الجريمة، تولد شعوراً بالظلم والفوضى في المجتمع. كما أن اعتبار العقوبة كفّارة يُعدّ رحمة بالمذنب، لأن أغلب الفقهاء يرون أن العقوبة الدنيوية تسقط عنه العقوبة الأخروية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
[من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته]( مسند الامام احمد 2/362)
ولهذا، إذا تاب الجاني وأظهر الندم، يُفضّل ـ إن أمكن ـ عدم إقامة الحد عليه، لأن الغاية الأسمى من العقوبة وهي التوبة قد تحققت.
في الحديث [أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أخالك سرقت](النسائي)
كما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال: لا، يا رسول الله، قال: أنكتها لا يكني، قال: فعند ذلك أمر برجمه
أي إن النبي صلى الله عليه وسلم حاول أن يصرفه عن الإقرار ليتوب بينه وبين ربه دون إقامة الحد. ولكنه أصر، فأقيم عليه الحد.
وفي كلا الحالتين لم يكن هناك دليل خارجي على الجريمة، وإنما كان الاعتراف صادراً عن ندم وتوبة.
أما في الجرائم الثابتة بالبينة والشهادة، فإن التوبة لا تمنع تنفيذ الحد. لأن المصلحة هنا ليست شخصية بل عامة، ويتوجب تنفيذ الحد لحماية المجتمع من تفشي الفساد. والاستثناء الوحيد هو القصاص، إذ يمكن لأولياء الدم العفو عن الجاني، وقد حثّ القرآن على هذا العفو.
أما في الجرائم التعزيرية، التي يُترك تقدير عقوبتها للقاضي، فإن حال الجاني تؤخذ بعين الاعتبار. فإذا رأى القاضي أن الجاني قابل للإصلاح، جاز له تخفيف العقوبة أو إلغاؤها، شريطة مراعاة المصلحة العامة.
أسئلة إسلامية