ماذا يعني مصطلح أهل الكتاب؟
ماذا يعني مصطلح أهل الكتاب؟
أضافه في خميس, 10/04/2025 - 10:40
الأخ / الأخت العزيز,
يُطلق مصطلح "أهل الكتاب" على أتباع الديانات السماوية مثل اليهود والمسيحيين. وقد ورد ذكر أهل الكتاب كثيراً في القرآن الكريم. وعلى الرغم من أن أهل الكتاب يُعدّون "كفاراً" لعدم إيمانهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم لا يُعتبرون "كفاراً" بالمعنى المطلق الذي ينكر وجود الله.
يمنح القرآن الكريم أهل الكتاب بعض الامتيازات مقارنة بالكافرين الآخرين؛ فمثلًا، يجوز الزواج من نسائهم وأكل ما يذبحونه
{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (المائدة:5). وهذه التسهيلات تعود إلى كونهم أقرب إلى الإيمان من الكفار المحاربين. يقول الله تعالى:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}( آل عمران:64)
أي لا نعتبر بعضنا بعضاً آلهة أو أرباباً، بل نقيّم جميع أفعالنا وفق أمر الله ورضاه، ونتّبع بعضنا بعضاً في هذا الإطار فقط.
ويذكر القرآن أن أهل الكتاب اتخذوا علماءهم ورهبانهم أربابًا من دون الله
{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(سورة التوبة:31).
وفي الحديث عن عدي بن حاتم [أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه] (الترمذي:3094)
أي أن اتخاذ شخص ربًا لا يستلزم أن يُسمى "ربًا" باللفظ، بل يكفي اتباعه في تشريعه المناقض لما أنزل الله.
القرآن الكريم يوجّه إلى طريقة التعامل مع أهل الكتاب في قوله:
{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت:46)
وفي هذه الآية، يُقسَّم أهل الكتاب إلى:
1. الظالمون.
2. المنصفون.
ويؤمر المسلمون بمجادلة المنصفين منهم بالتي هي أحسن، لأن هذا الأسلوب قد يقربهم إلى الإسلام، خاصة أن إسلامهم لا يتطلب إنكار موسى أو عيسى عليهما السلام، بل يتطلب الإيمان بالنبي الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقط، مما ينقذهم من اتباع دين محرّف.
ويصرّح القرآن بأن المسيحيين أقرب إلى المسلمين من اليهود:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}(المائدة:82)
وقد أثبت التاريخ صحة هذه الآية؛ فالمسلمون الذين أسلموا من اليهود قليلون جدًّا، أما من النصارى فكانوا كثيرين، ولا يزال الكثير من الأوروبيين يدخلون الإسلام، حتى أن بعض الكنائس تحوّلت إلى مساجد ومراكز دعوية.
لكن، في الوقت الذي تحقق فيه الدعوة الإسلامية نتائج طيبة في البلدان المسيحية، فإن مواقف قادة هذه الدول كثيراً ما تكون معادية للإسلام.
وقد بيّن القرآن موقفه من الظالمين من أهل الكتاب بقوله:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}(التوبة:29)
وهنا يُطرح سؤال: هل تشمل هذه الآية جميع أهل الكتاب؟
الجواب: لا. فلو كانت كذلك لقالت الآية "قاتلوا أهل الكتاب"، ولكنها قيّدت القتال بمن تتوافر فيهم الصفات المذكورة فقط. وهذا يتّسق مع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أرسل المسلمين إلى الحبشة ـ وهي بلد مسيحي ـ وقال إن فيها ملكًا عادلًا، وخلال العهد المدني تعامل مع اليهود والنصارى بالحكمة والدعوة، فأسلم بعضهم.
ويقول الله تعالى في القرآن الكريم:
{لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}(آل عمران:113)
فلا يجوز وضع جميع أهل الكتاب في خانة واحدة؛ لأن ذلك يخالف الحقيقة الدينية والتاريخية.
أما قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة:51)
فلا يمنع من الحوار والعلاقات الإنسانية معهم. فمثلًا، الزواج من نسائهم أمر ثابت في القرآن
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}(المائدة:5).
وقد علّق الشيخ محمد حمدي يازر على هذه الآية فقال: إن المؤمنين لم يُمنعوا من الإحسان إلى اليهود والنصارى أو التعامل معهم، بل نُهوا عن اتخاذهم أولياء وأعواناً؛ لأنهم لن يكونوا عوناً حقيقيّاً للمؤمنين.
وباختصار: التعامل الإنساني معهم جائز، أما الإعجاب بدينهم وتقاليدهم، فهو ممنوع شرعاً.
أسئلة إسلامية