ما هي المسيحية

تفاصيل السؤال

ما هي المسيحية؟ وما الذي يخبرنا به القرآن الكريم عن المسيحية؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

المسيحية: هي ديانة سماوية في أصلها، تقوم على الوحي الإلهي، ولها كتاب مقدس. وهي في جوهرها كانت تقوم على التوحيد، لكن تم تحريفها لاحقاً لتتبنى عقيدة التثليث (الآب، الابن، الروح القدس). وعلى الرغم من وجود مفاهيم دينية مشتركة مثل النبوة، والملائكة، والآخرة، والقدر، إلا أن تفسير هذه المفاهيم يختلف عن ما هو عليه في الإسلام.

في الأناجيل وبعض الكتابات المسيحية القديمة، توجد عبارات تؤكد وحدانية الله مثل: "الله واحد" (يوحنا 5/44)، لكن أيضًا توجد تعبيرات مجازية مثل: "أنا والآب واحد"، و"روح أبيكم"، و"روح الله"، وقد فسّرت لاحقاً على نحو يُدخل عيسى والروح القدس في الألوهية، فظهرت عقيدة التثليث، رغم أن الكتاب المقدس لم يذكرها صراحةً.

أول من بدأ هذه التأويلات كان بولس، الذي انضم إلى الحواريين بعد زمن المسيح. ويُعد بولس، وفق بعض العلماء المعاصرين، انه هو المؤسس الفعلي للمسيحية المعاصرة، وليس المسيح عليه السلام. فالمسيحية اليوم مستمدة أكثر من تفسيرات بولس منها من تعاليم عيسى عليه السلام، حتى إن بعضهم قال: "القرون التالية استندت في عقيدتها أكثر إلى بولس منها إلى الأناجيل". وقد جعل بولس من المسيح مركزًا للعقيدة، واعتبره ليس بشراً فقط، بل منبعثاً بقوة الله.

إذن، المسيحية الحالية تستند إلى تفسيرات بولس. وقد تعرضت الأناجيل الأصلية نفسها للتحريف، مما يجعل المسيحية ديانة محرّفة في نظر الإسلام. ولهذا تختلف المسيحية التي يخبرنا بها القرآن الكريم كليًا عن المسيحية المتبعة اليوم.

المسيحية في القرآن الكريم
يستخدم القرآن الكريم لفظ "نصراني" للإشارة إلى المسيحي، و"نصارى" للإشارة إلى الجماعة منهم، كما ورد في عدة آيات: 
{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(آل عمران: 67) 
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:62)
{ وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(البقرة:111)
كما يُشار إليهم أيضًا بـ "أهل الكتاب"، ومن ذلك قول الله تعالى:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}( آل عمران: 64)
وبحسب القرآن، فإن النصارى واليهود لم يلتزموا بعهودهم مع الله، ولذلك ألقى الله العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة. كما أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بُعث إليهم أيضاً، وكشف لهم كثيراً مما أخفوه من كتبهم.
لكن، عارض اليهود والنصارى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وادّعوا أنهم "أبناء الله وأحباؤه"، واعتبر اليهود عُزيراً ابناً لله، والمسيحيون اعتبروا عيسى ابناً لله. وقد أدّى هذا إلى وقوعهم في الكفر لأنهم ألهوا البشر، وقد خالفوا بذلك عقيدة التوحيد.
{ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1) ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ (2) لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ (3) وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ (4)}(سورة الإخلاص)

موقف القرآن من عيسى عليه السلام
القرآن الكريم يؤكد أن عيسى عليه السلام عبدٌ لله ورسوله، وقد جاء ليبلّغ التوحيد، كما جاء في قوله تعالى:
{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}(المائدة:46)
وقد ضل النصارى عن التوحيد حين قالوا:
{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ }(المائدة: 73)،
واتخذوا عيسى إلهاً، لكن الله يدعوهم إلى الرجوع إلى دين الحق – الإسلام.

عيسى عليه السلام يبرّئ نفسه يوم القيامة
في يوم القيامة، يُسأل عيسى عليه السلام عمّا نسبه له أتباعه من تأليه، فيقول:
{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }(المائدة:116-117)

الخلاصة
المسيحية في أصلها دين سماوي، نبيها عيسى عليه السلام وكتابها الإنجيل. لكن المسيحية الحالية ليست هي نفسها التي جاء بها عيسى، فقد تم تحريفها، وأُدخلت فيها أفكار باطلة مثل ألوهية المسيح، وأُسِّست على لاهوت بولس. يقول القرآن عن عيسى عليه السلام:
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}(مريم:30-33)
كما أوضح أن المسيحيين اليوم لا يتبعون الإنجيل الحقيقي، بل بدّلوا تعاليمه لأغراض دنيوية، كما فعل بعض علماء اليهود.
{ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}(المائدة:13)
{ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ}(التوبة:9)
لذا فإن الإسلام يعتبر الديانة الحقة في زماننا، ويدعو أهل الكتاب إلى الإيمان بالتوحيد ونبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد