السد و يأجوج ومأجوج
السؤال :
اين يقع سد ذي القرنين؟
ومَن يأجوج ومأجوج؟
الجواب:
نشير اشارة في غاية الاختصار الى نكتتين او ثلاث فحسب تعود الى هذه المسألة وهي:
انه بناءً على ما بينه اهل العلم المحققون، وابتداء اسماء عدد من ملوك اليمن بكلمة (ذي) – كذي يزن – وما يشير اليه عنوان (ذي القرنين) فان ذا القرنين هذا ليس هو الاسكندر الرومي (المقدوني) وانما هو احد ملوك اليمن الذي عاصر سيدنا ابراهيم عليه السلام
وتلقى الدرس من سيدنا الخضر عليه السلام. بينما جاء الاسكندر الرومي قبل الميلاد بحوالي ثلاثمائة سنة ودرس على يد ارسطو.
ان التاريخ الذي دوّنه الانسان يضبط الحوادث الى حد ما قبل ثلاثة آلاف عام. لذا فان نظر هذا التاريخ الناقص القاصر لا يستطيع ان يحكم بصواب على حوادث ما قبل زمن سيدنا ابراهيم عليه السلام، فإما يذكرها مشوبة بالخرافات، أو ينكرها او يوردها باختصار شديد.
أما سبب اشتهار (ذي القرنين) اليماني هذا في التفاسير بالاسكندر، فيعود الى:
أن احد اسماء ذي القرنين هو الاسكندر، فهو الاسكندر الكبير، والاسكندر القديم. او نظراً لأن القرآن الكريم لدى ذكره لحادثة جزئية يذكرها لكونها طرفاً لحوادث كلية، فان الاسكندر الكبير الذي هو ذو القرنين؛ مثلما اسس سدّ الصين الشهير بارشاداته النبوية بين الاقوام الظالمة والمظلومة وليصدّ عنهم غاراتهم فان قواداً عظاماً عديدين كالاسكندر الرومي وملوكاً اقوياء اقتدوا بذي القرنين – في الجهة المادية – وان قسماً من الانبياء والاقطاب الاولياء – وهم ملوك معنويون للانسانية، ساروا على اثره في الجهة المعنوية والارشاد.. فهؤلاء اسسوا السدود بين الجبال(1) التي هي من الوسائل المهمة لإنقاذ المظلومين من شر الظالمين. ثم بنوا القلاع في قمم الجبال، فشيدوا تلك الموانع إما بقوتهم المادية الذاتية أو بارشاداتهم وتوجيهاتهم وتدابيرهم. حتى بنوا الاسوار حول المدن والحصون في اواسطها، الى ان بلغ الامر الى استعمال وسيلة أخيرة هي المدافع الثقيلة والمدرعات الشبيهة بالقلاع السيارة.
فذلك السد الذي بناه ذو القرنين وهو اشهر سد في العالم ويبلغ طوله مسيرة ايام انما بناه ليصد به هجمات اقوام شريرة اطلق عليهم القرآن الكريم اسم يأجوج ومأجوج ويعبر عنهم التاريخ بقبائل المانجور والمغول الذين دمروا الحضارة البشرية مرات ومرات. وظهروا من وراء جبال هملايا فأهلكوا العباد وخرّبوا البلاد شرقاً وغرباً.
فصار ذلك السد المبني بين جبلين قريبين من سلسلة هملايا مانعاً امام هجمات هؤلاء الاقوام الهمجية، وحائلاً دون غاراتهم العديدة على المظلومين في الصين والهند.. ومثلما اسس ذو القرنين هذا السد فقد بنيت سدود كثيرة اخرى بهمة ملوك ايران القدماء في جبال القفقاس في منطقة المضيق صداً للنهب والسلب والغارات التي امتهنتها اقوام التتر. وهناك سدود كثيرة من هذا النوع.
فالقرآن الكريم لأنه يخاطب البشرية كافةً، فانه يذكر ظاهراً حادثة جزئية ويذكر بها احداثاً مشابهة لها.
فمن زاوية النظر هذه تختلف الروايات واقوال المفسرين حول السد ويأجوج ومأجوج.
ثم ان القرآن الحكيم قد ينتقل من حادثة الى اخرى بعيدة عنها وذلك من حيث المناسبات الكلامية وعلاقاتها. فالذي لا يعرف هذه العلاقات يظن ان زمانَي الحادثتين قريبان.
وهكذا فإخبار القرآن عن قيام الساعة عقب خراب السد، ليس هو لقرب الزمان، وانما لأجل نكتتين من حيث المناسبات الكلامية، أي: كما ان هذا السد سيُدمر فستدمر الدنيا كذلك.
ثم ان الجبال التي هي سدود فطرية إلهية راسخة وقوية لا تُنسف الاّ بقيام الساعة، فهذا السد ايضاً قوي كالجبال لا يدكّ الاّ بقيام الساعة، وسيبقى الكثير منه ويدوم حتى لو عملت فيه عوامل التغيير على مدى الزمان من خراب وهدم.
نعم ! ان سد الصين الذي هو فرد من كلية سد ذي القرنين ما زال باقياً مشاهداً على الرغم من مرور الوف السنين،
وانه يُقرأ كسطر طويل كتب بيد الانسان على صحيفة الارض، يقرأ سطراً مجسماً متحجراً ذا مغزى من التاريخ القديم. (*)
_______________________
(1) هناك سدود اصطناعية على وجه الارض تحولت بمرور الزمن الى هيئة جبال حتى لا تعرف انها كانت سدوداً. – المؤلف.
(*) كليات رسائل النور – اللمعات ص:164