القلق من كثرة الكفار

 

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

يامَن يضطرب ويقلق من كثرة عدد الكفار، ويامَن يتزلزل باتفاقهم على إنكار بعض حقائق الإيمان، اعلم ايها المسكين!

اولاً:

ان القيمة والاهمية ليستا في وفرة الكمية وكثرة العدد، اذ الانسان إن لم يكن انساناً حقاً انقلب حيواناً شيطاناً، لأن الانسان يكسب حيوانية هي أشدُّ من الحيوان نفسه كلما توغل في النوازع الحيوانية، كبعض الاجانب او السائرين في ركابهم. فبينما ترى قلة عدد الانسان قياساً الى كثرة عدد الحيوانات إذا بك تراه قد أصبح سلطاناً وسيداً على جميع انواعها، وصار خليفةً في الارض.

فالكفار المنكرون والذين يتبعون خطواتهم في السفاهة، هم نوعٌ خبيث من انواع الحيوانات التي خَلَقَها الفاطر الحكيم سبحانه لعمارة الدنيا. وجعلهم (واحداً قياسياً) لمعرفة درجات النعمة التي اسبغها على عباده المؤمنين، وسوف يسلمهم الى جهنم وبئس المصير التي يستحقونها، حينما يرثُ الارضَ ومَن عليها.

ثانياً:

ليس في إنكار الكفار والضالين لحقيقة من الحقائق الإيمانية قوة، ولا في نفيهم لها سندٌ، ولا في اتفاقهم اهميةٌ، لانه نفيٌ. فالفٌ من النافين هم في حكم نافٍ واحد فقط. مثال ذلك:

اذا نَفى اهل استانبول جميعهم رؤيتهم للهلال في بداية رمضان المبارك، فان إثبات اثنين من الشهود، يُسقط قيمة إتفاق كل ذلك الجمع الغفير. فلا قيمة اذن في اتفاق الكفار الكثيرين ما دامت ماهيةُ الكفر والضلالة نفياً، وانكاراً، وجهلاً، وعدماً. ومن هنا يُرجح حُكمُ مؤمنين اثنين يستندان الى الشهود في المسائل الإيمانية الثابتة اثباتاً قاطعاً على إتفاق ما لا يحد من اهل الضلالة والانكار ويتغلب عليهم.

وسرّ هذه الحقيقة هو ما يأتي:

ان دعاوى النافين متعددة، برغم انها تبدو واحدة في الظاهر، إذ لا يتحد بعضها مع بعض الآخر كي يعززه ويشدّ من عضده. بينما دعاوى المثبتين تتحد وتتساند ويمدّ بعضها البعض الآخر ويقويه ويدعمه، فالذي لا يرى هلال رمضان في السماء يقول: ان الهلال في نظري غير موجود، وعندي غير موجود.. والآخر يقول مثله، فكلٌ منهم ينفي من زاوية نظره، وليس من واقع الحال، ومن الامر بذاته، لذا فاختلافُ نظرهم وتنوعُ الاسباب الداعية الى حَجب الرؤية، وتعدد موانع النظر لدى الاشخاص، يجعل دعاواهم متباينة ومختلفة لا تسند احداهما الاخرى.

اما المثبتون فلا يقول احدهم: الهلال موجود في نظري، او عندي، بل يقول: ان الهلال موجود فعلاً، وهو في السماء بذاته.. والمشاهدون جميعاً يصدّقونه في دعواه هذه، ويؤيدونه في الامر نفسه قائلين: الهلال موجود في واقع الحال.. أي ان جميع الدعاوى واحدة.

ولما كان نظر النافين مختلفاً، فقد اصبحت دعاواهم كذلك مختلفة، فلا يسري حُكمهم على الامر بذاته، لأنه لا يمكن اثبات النفي في الحقيقة، إذ يلزم الاحاطةُ. ومن هنا صارت من القواعد الاصولية أن (العَدَم المطلق لا يُثبَتُ إلاّ بمشكلات عظيمة).

نعم! اذ قلت: إن شيئاً ما موجود في الدنيا، فيكفي لاثباته إراءته فقط. ولكن ان قلتَ: انه معدومٌ، غير موجود في الدنيا. أي اذا نفيت وجوده، فينبغي لإثبات هذا النفي او العدم ان تبحث عنه في اطراف الدنيا كافة وإراءتها واشهادها.

وبناء على هذا السر: يتساوى في انكار الكفار لحقيقة واحدة الواحد مع الالف، لعدم وجود التساند فيه. يشبه ذلك، حل مسألة ذهنية، أو المرور من ثقب، او القفز من فوق الخندق، التي لا تساند فيها.

اما المثبتون فلأنهم ينظرون الى الامر نفسه، أي الى واقع الحال، فان دعاواهم تتحد وتتعاون ويمدُّ بعضها البعض الآخر قوةً، بمثل التعاون الحاصل في رفع صخرةٍ عظيمة، فكلما تكاثرت الايدي عليها، سهُل رفعُها اكثر، حيث يستمد كلٌ منهم القوة من الآخر.(*)

____________

(*) كليات رسائل النور – اللمعة السابعة عشرة .. ص:184

قرئت 8 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد