لماذا حُرم الخمر و لحم الخنزير ولم يحرم القتال ؟

تفاصيل السؤال

لماذا يحرّم الله على عباده شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، في حين أن هناك أمورًا أكبر وأخطر، مثل الحروب؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

قد لا يكون هذا السؤال موجهاً مباشرة من قبل المعترضين، لكننا نقول لإخواننا الذين ينقلون لنا مثل هذه الأسئلة: إن الأحكام التي وضعها الله هي انعكاسات لحكمته وعلمه اللامتناهي. ومبدئياً، كل حكم إلهي يحمل قيمة مضافة بحد ذاته، ولا يجوز التضحية بأي حكم شرعي لحساب حكم آخر ما لم تكن هناك ضرورة قصوى.
على سبيل المثال، وجود الحرب لا يُحلل الخمر ولا لحم الخنزير. ويجب أن يعلم من يطرح هذا الاعتراض أن شربه للخمر في بيته لن يُسهم في إنهاء الحرب، ولن يجلب السلام. وإذا كان يتبنى فكراً إنسانياً، فإن انغماسه في الخمر بينما يموت آخرون في الحروب يُعد سلوكاً غير إنساني، ولا يتماشى مع أي منطق أو ضمير.
وبالمثل، هل أكل بعض الناس لحم الخنزير في وقت الحرب يقرّبنا إلى السلام؟
وفوق كل ذلك، فإن الله تعالى قد اهتم بأمر الحروب أيضا، وما زال يهتم. نعم، الله يأمرنا من خلال القرآن الكريم ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعدم القتال والدخول في السلم والسلام:
بعض الآيات التي تتعلق بهذا الشأن:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(البقرة:208)
{ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا }(النساء:90)
{ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ }(المائدة:32)
أما أول آية أذنت للمسلمين بالقتال فجاءت بعد حوالي 15 سنة من بداية نزول الوحي، وهي:
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج:39)
فالمسلمون ظلوا طوال 13 سنة في مكة وسنتين في المدينة يتحملون الاضطهاد والأذى من الكافرين دون أن يُؤذن لهم بالقتال. وذلك لأن الإسلام دين السلام، ولفظ "إسلام" نفسه مشتق من "سِلْم" أي السلام. ولهذا عندما أذن الله لهم بالقتال لأول مرة، استخدم تعبيرات خفيفة للغاية:
1. في بداية الآية، لم يُقل "قاتلوا فوراً"، بل استخدم تعبير "أُذِنَ"، وهو تعبير لطيف يحمل في طياته الرحمة.
2. كما أن صيغة الفعل كانت مبنية للمجهول (أُذِنَ) بدلًا من "أذِنتُ"، مما يدل على أن القتال ليس أمراً محبوباً في الإسلام، بل هو استثناء يُلجأ إليه عند الضرورة.
3. الإذن بالقتال جاء مشروطًا، فلم يُؤذن لهم بذلك إلا بعد أن تعرّضوا للعدوان، ما يدل على أن القتال ليس هدفًا في حد ذاته في الإسلام، بل دفاعاً عن النفس.
4. السبب المذكور في الآية للقتال{ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} يوضح أن الحرب في الإسلام لا تُشن بدوافع استعمارية أو توسعية، بل هي رد على الظلم.
وبعد هذا الإذن، كانت أول معركة هي غزوة بدر، حيث جاء المشركون من مكة إلى منطقة بدر قرب المدينة، وتحقق وعد الله في الآية{وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} ، حيث انتصر المسلمون وانهزم المشركون.
أما من يسأل: "لماذا لا يتدخل الله لإيقاف الحروب؟" فجوابه واضح:
إن الله خلق الدنيا كمكان للامتحان، ويبتلي فيها الناس، ولذلك منحهم إرادة حرة وقدرة على الفعل. ولكي يكون الامتحان عادلًا، لا بد أن يُترك المجال لكلٍ من الخير والشر لكي يُمارسا بحرية. ولذلك، كما لا يقيّد الله يد المحسن، لا يقيّد كذلك يد المسيء، لأن الامتحان لا يستقيم إلا بترك الخيار للطرفين.
ولو شاء الله أن يتدخل في كل شر، لسلب شارب الخمر عقله إلى الأبد، أو لمسخ آكل الخنزير إلى خنزير حقيقي. وكان يمكنه أن يُصيب القتلة بكسور مدمّرة، أو يخرس ألسنة الظالمين... لكنه لم يفعل، لأن العدل الإلهي في الامتحان يقتضي أن يترك لهم المجال.
إن وجود الظالم والمظلوم معًا في هذا العالم، وموت الظالم في عزّ والمظلوم في ذلّ، دليل واضح على وجود محكمة عليا في الآخرة ستُظهر عدالة الله الكاملة.
 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد