التقوى والعمل الصالح
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
لقد فكرت -في هذه الأيام- في أسس التقوى والعمل الصالح، اللذين هما اعظم أساسين في نظر القرآن الكريم بعد الإيمان.
فالتقوى: هي ترك المحظور والاجتناب عن الذنوب والسيئات. والعمل الصالح: هو فعل المأمور لكسب الخيرات.
ففي هذا الوقت الذي يتسم بالدمار -الأخلاقي والروحي- وبإثارة هوى النفس الأمارة، وبإطلاق الشهوات من عقالها.. تصبح التقوى أساساً عظيماً جداً بل ركيزة الأسس، وتكسب أفضلية عظيمة حيث انها دفع للمفاسد وترك للكبائر، إذ ان درء المفاسد أولى من جلب المنافع قاعدة مطردة في كل وقت.
وحيث ان التيارات المدمرة أخذت تتفاقم في هذا الوقت، فقد أصبحت التقوى اعظم أساس واكبر سد لصد هذا الدمار الرهيب. فالذي يؤدي الفرائض ولا يرتكب الكبائر، ينجو بإذن الله، إذ التوفيق إلى عمل خالص مع هذه الكبائر المحيطة أمر نادر جداً.
ان عملاً صالحاً ولو كان قليلاً يغدو في حكم الكثير ضمن هذه الشرائط الثقيلة والظروف العصيبة.
ثم ان هناك نوعاً من عمل صالح ضمن التقوى نفسها، لان ترك الحرام واجب والقيام بالواجب ثوابه اكثر من كثير من السنن والنوافل.
ففي مثل هذه الأزمان التي تهاجم الذنوب والسيئات الإنسان من كل جانب يكون اجتنابُ أثمٍ واحد مع عمل قليل، بمثابة ترك لمئات من الآثام -التي تترتب على ذلك الإثم- وقيام بمئات من الواجبات.
هذه النقطة جديرة بالاهتمام، ولا تحصل الا بالنية الخالصة وبالتقوى وقصد الفرار من الآثام والذنوب، ويغنم المرء بها ثواب أعمال صالحة نشأت من عبادة لم يصرف فيها جهداً.
ان أهم وظيفة تقع على عاتق طلاب النور خدام القرآن الكريم، في هذا الوقت هي:
اتخاذ التقوى أساساً في الأعمال كلها، ثم التحرك وفقها أمام تيار الدمار الرهيب المهاجم والآثام المحيطة بهم، إذ يواجه الإنسان ضمن أنماط الحياة الاجتماعية الحاضرة مئات من الخطايا في كل دقيقة، فالتقوى هي التي تجعل -دون ريب- الإنسان كأنه يقوم بمئات من الأعمال الصالحة، وذلك باجتنابه تلك المحرمات.
من المعلوم ان عشرين شخصاً في عشرين يوماً لا يستطيعون بناء عمارة واحدة في حين يستطيع ان يهدمها شخص واحد في يوم واحد.
لذا فالذي يقوم بالهدم والدمار ينبغي ان يقابَل بعشرين ممن يبنون ويعمرون تلك النواحي، بيد أننا نرى العكس. فالألوف من الهدامين لا يقابلهم الا معمر واحد وهو رسائل النور.
لذا فمقاومة خدام القرآن الكريم وحدهم تلك التخريبات المريعة إنما هي عمل خارق جداً. فلو كانت هاتان القوتان المتقابلتان على مستوى واحد من القوة، لكنت ترى في التعمير والبناء -الروحي والأخلاقي- خوارق وفتوحات عظيمة جداً.
ولنضرب مثلاً واحداً فقط:
ان أعظم ركيزة في الحياة الاجتماعية هي: توقير الصغير للكبير ورحمة الكبير للصغير. الا أننا نرى ان هذا الأساس قد تصدع كثيراً. حتى إننا نسمع اخباراً مؤلمة جداً، وحوادث مفجعة جداً تجاه الآباء والأمهات، تقع من جراء خراب هذا الأساس الراسخ.
ولكن بفضل الله فان الرسائل القرآنية أينما حلت قاومت الدمار، وحالت دون تهدم هذا الأساس الاجتماعي المتين، بل حاولت تعميره.
فكما يعيث ياجوج وماجوج في الأرض الفساد بخراب سد ذي القرنين، فان فساداً أبشع من فساد ياجوج وماجوج قد دبّ في العالم وأحاطه بظلمات الإرهاب والفوضى وعمت الحياة والأخلاق مظالم شنيعة وإلحاد شنيع.. فظهر الفساد في البر والبحر، نتيجة تزلزل السد القرآني العظيم، وهو الشريعة المحمدية الغراء.
لذا فان الجهاد المعنوي لطلاب النور ضد هذا التيار الجارف يعدّ -بإذن الله- جهاداً عظيم الثواب ، إذ فيه قبس من جهاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين يثابون بعمل قليل ثواباً عظيماً.
فيا اخوتي الأعزاء:
في مثل هذه الأوقات العصيبة، وأمام هذه الأحداث الجسام، فان اعظم قوة لدينا -بعد قوة الإخلاص- هي قوة الاشتراك في الأعمال الأخروية إذ يكتب كل منكم في دفتر أعمال اخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الإمداد والعون إلى قلعة التقوى وخنادقها.
وان أخاكم الفقير والعاجز هذا السعيد الذي اشتدت عليه غارات الهجوم من كل جهة، هو أحوج ما يكون إلى مساعدتكم في هذه الأشهر الثلاثة المباركة، وفي هذه الأيام المشهودة.
ولا استبعد هذا منكم قط، فانتم أهل لهذا السعي، وانتم الأبطال الأوفياء المشفقون على حال أخيكم، وأنا اطلب منكم هذا الإمداد المعنوي بكل جوارحي ومن صميم روحي.
وبدوري سأشرك الطلاب في دعواتي وحسناتي المعنوية، بل ربما أدعو لكم في اليوم اكثر من مائة مرة باسم طلاب النور، بشرط الالتزام بالإيمان والوفاء، وذلك دستور الاشتراك في الأعمال الأخروية.(*)
_________________________________
(*) كليات رسائل النور – الملاحق- قسطموني/168