ادم على صورة الرحمن
قطرة نورية من كليات رسائل النورسي
لقد ورد في حديث شريف ( ان الله خلق آدمَ على صـورة الرحـمن )(1)أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فسَّرَ قسمٌ من اهل الطرق الصوفية هذا الحديث الشريف تفسيراً عجيباً لايليق بالعقائد الايمانية، ولاينسجم معها. بل بلغ ببعضٍ من أهل العشق ان نظروا الى السيماء المعنوي للانسان نظرتهم الى صورة الرحمن! ولما كان في اغلب اهل العشق حالة استغراقية ذاهلة والتباس في الامور، فلربما يُعذَرون في تلقّياتهم المخالفة للحقيقة. الاّ أن اهل الصحو، واهل الوعي والرشاد يرفضون رفضاً باتاً تلك المعاني المنافية لاسس عقائد الايمان، ولا يقبلونها قطعاً. ولو رضي بها أحدٌ فقد سقط في خطأ وجانَبَ الصواب.
نعم، ان الذي يدبر امور الكون ويهيمن على شؤونه بسهولة ويسر كادارة قصر أو بيت.. والذي يحرك النجوم واجرام السماء كالذرات بمنتهى الحكمة والسهولة.. والذي تنقاد اليه الذرات وتأتمر بأمره وتخضع لحكمه..
نعم، ان الذي يفعل هذا كله هو الله القدوس سبحانه.. فكما انه منزّه ومقدّس عن الشرك؛ فلا شريكَ له، ولا نظيرَ، ولا ضدّ ولا ندّ، فليس له قطعاً مثيلٌ ولا مثالٌ ولا شبيهٌ ولاصورةٌ ايضاً، وذلك بنص الآية الكريمة (ليس كَمِثْلِه شئٌ وهو السَّميعُ البَصيرُ) (الشورى: 11) الاّ أن شؤونه الحكيمة وصفاته الجليلة واسماءه الحسنى يُنظر اليها بمنظار التمثيل والمَثَل حسب مضمون الآية الكريمة: (ولَه المَثَلُ الأعلى في السّمـــوات والأرض وهو العزيزُ الحكيمُ) (الروم:27) . أي ان المَثَل والتمثيل واردٌ في النظر الى شؤونه الحكيمة سبحانه.
ولهذا الحديث الشريف مقاصد جليلة كثيرة، منها: ان الانسان مخلوق على صورة تُظهر تجلي اسم الله "الرحمن " اظهاراً تاماً.
نعم، لقد بينا في الأسرار السابقة انه مثلما يتجلى اسمُ " الرحمن " من شعاعات مظاهر ألف اسمٍ واسم من الأسماء الحسنى على وجه الكون، ومثلما يُعْرَض اسم " الرحمن " بتجليات لاتحد للربوبية المطلقة على سيماء الأرض، كذلك يُظهِر سبحانه التجلي الأتم لذلك الأسم " الرحمن " في الصورة الجامعة للأنسان، يُظهِره بمقياس مصغر بمِثلِ ما يُظهره في سيماء الأرض وسيماء الكون بمقياس اوسع واكبر.
وفي الحديث الشريف اشارة كذلك الى ان في الانسان والاحياء من المظاهر الدالة على " الرحمن الرحيم " ما هو بمثابة مرايا عاكسة لتجلياته سبحانه، فدلالة الانسان عليه سبحانه ظاهرة قاطعة جلية، تشبه في قطعيتها وجلائها دلالة المرآة الساطعة بصورة الشمس وانعكاسها على الشمس نفسها. فكما يمكن ان يقال لتلك المرآة: انها الشمس، اشارةً الى مدى سطوعها ووضوح دلالتها عليها، كذلك يصح أن يقال - وقد قيل في الحديث - ان في الانسان صورة " الرحمن " ، اشارة الى وضوح دلالته على اسم " الرحمن " وكمال مناسبته معه ووثوق علاقته به. هذا وان المعتدلين من اهل وحدة الوجود قد قالوا: " لا موجود الاّ هو " بناء على هذا السر من وضوح الدلالة، وعنواناً على كمال المناسبة.
اللهمَ يا رَحمن يا رّحِيم بحق " بسْم الله الرَحمن الرّحيم " إرحمنا كما يليق برحيميتك، وفهّمنا أسرار " بسْم الله الرَحمن الرّحيم " كما يليق برحمانيتك آمين.(*)
______________________
(1) (خلق الله عز وجل آدم على صورته..) حديث صحيح اخرجه البخاري برقم 6227 ومسلم برقم 2841 واحمد 2/315 وابن خزيمة في التوحيد ص29. أما حديث (ان الله خلق آدم على صورة الرحمن) فقد عزاه الحافظ في الفتح 5/183 لابن ابي عاصم في السنة والطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الحافظ باسناد رجاله ثقات.
(*) كليات رسائل النور-اللمعات ص:153
- استناد كل شيء الى اسم من الاسماء الحسنة
- الاجتهاد في الوقت الحاضر للوصول الى الله
- الانسان وسر القيومية
- احدى نكات اسم الله القيوم
- اثبات التوحيد الكلمة الرابعة [له الملك]
- رعاية حقوق الاباء والشيوخ
- احدى نكات اسم الله الحكم
- الافراط والتفريط في تفضيل الصحابة
- الموت ليس مرعباً كما يُتوهم
- المصطلحات المتعلقة بالروح العقل