الحكمة من عقوبة الرجم

تفاصيل السؤال

ما هي حكمة عقوبة الرجم؟ ولماذا أتاح الإسلام، وهو دين المحبة، هذه العقوبة؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

( ينبغي أن يكون على يمين السلطان اللطف والرحمة، وعلى يساره الشدة والتأديب. فالمكافأة هي ثمرة الرحمة، والتأديب يستلزم العقوبة. وكما أن عدم مكافأة المطيعين لا يليق بجلال السلطان، كذلك ترك المذنبين بلا عقوبة لا يليق بعزته؛ فكلاهما يُعدّ ضعفاً وعجزاً، والله سبحانه وتعالى منزه عن كل هذه النقائص.)
علينا أن نُبين بوضوح أن عقوبة الرجم في الإسلام هي عقوبة رادعة وشديدة، وتهدف إلى حماية المجتمع. ومن بين أهداف الأديان السماوية جميعاً الحفاظ على النسل، والزنا يُعد من أبشع الوسائل غير المشروعة التي تُفسد وتُشوّه الأنساب. والزنا، إلى جانب كونه جريمة عظيمة، هو أيضاً وسيلة إغراء للنفوس المنفلتة. لذلك، لا يُمكن أن نتوقع من دين عالمي مثل الإسلام أن يتغاضى عن هذا النوع من الفواحش دون أن يفرض وسائل رادعة تحول دونها. فرض العقوبة على المذنب لا يناقض الرحمة والمحبة، بل هو عين العدالة.
القرآن الكريم، بأسلوبه المعجز، لم يقل فقط: «لا تزنوا»، بل قال:{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}( الإسراء:32)وهو تعبير أكثر بلاغة وتأثيرًا. فالقول «لا تقرب» أبلغ من «لا تفعل»، لأنه ينهى عن كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الزنا، مثل اللمس، والتقبيل، والنظر بشهوة، والإيحاءات وغيرها من المقدمات. فالاقتراب من أسبابه هو أيضاً مؤيِّد له. والزنا عمل فاحش، وذنب عظيم، يؤدي إلى مفاسد كثيرة منها: تضييع الأنساب، والانحراف عن المحرمات، والاعتداء على حقوق الآخرين، وتفكك الأسرة، وانتشار الفوضى، والأمراض الأخلاقية.
وقد قال شيخ الإسلام الآلوسي إن الزنا يُعد موتاً بالنّسبة للأطفال، لأن من لا يُعرف نسبه يُعامل كالميت. وكيف للميّت أن يكون له دور فعّال في شؤون الحياة والحقوق في الشريعة الإسلامية؟
وبعد أن حرّمت الشريعة الإسلامية كل ما يؤدي إلى الزنا، اعتبرت جريمة الزنا اعتداءً على المصلحة العامة وعلى كرامة الفرد، وعاقبت عليها بشدة لضمان عدم تكرارها. لأن الزنا يهدد نظام الأسرة، والأسرة هي أساس المجتمع. فإذا انتشرت هذه الجريمة، انتشر الفساد والفاحشة، وانهارت الأسر، وانحرف النسل.
ولهذا السبب، عاقب الإسلام على الزنا بأشد العقوبات، لا سيما إذا صدر من شخص متزوج، لأن ذلك يُعد مثالاً سيئاً للغاية. وقد اتفق الفقهاء على أن الزاني غير المتزوج – سواء كان رجلاً أو امرأة – يُجلد مئة جلدة، استناداً إلى قول الله تعالى:{  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}(النور:2)
واتفق الفقهاء أيضاً، استناداً إلى الأدلة، على أن الزاني المتزوج – سواء كان رجلاً أو امرأة – إذا ثبت زناه يُعاقب بالرجم.
وثبوت حد الرجم يكون بأمرين:
1.    الإقرار (أن يعترف الزاني بنفسه).
2.    شهادة أربعة رجال عدول.
وشروط تنفيذ العقوبة:
1.    أن يكون الزاني عاقلاً.
2.    أن يكون بالغاً.
3.    أن يرتكب الفعل بإرادة واختيار.
4.    أن يكون عالماً بأن الزنا حرام.
من هذا يتبين أن الإسلام، في كل مرحلة من مراحل الانحدار نحو هذه الفاحشة، يقف في وجه الإنسان ليمنعه منها، ويوجهه للعيش في بيئة مشروعة ضمن حدود العفة والطهارة.
ومع ذلك، لا يكفي أن يكون النظام قوياً وقوانينه محكمة، بل ينبغي أن يُربّى الأفراد على تقبّل هذه القوانين، وأن تُصقل ضمائرهم لتكون صافية ونقية. فلا تكون النصوص والتشريعات كلمات جوفاء، بل تتحول إلى مبادئ يُؤمن بها ويطبقها الناس.
القرآن الكريم، في آيات كثيرة، يُوجه الإنسان إلى حقيقة عظيمة:(أينما كنت، وفي أي زمان أو مكان، فأنت تحت رقابة الله)
هذا الشعور يدفع الإنسان لأن يخطط لكل أفعاله ويعيش في ظل هذا الوعي الإلهي.
 

 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد